تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

عنها، فهذا ممكن، لكن أن ندخل بالإجحاف والإحراج فلا. وأيضاً قد يُختار أشخاص لا يمكن أن يتكلم الإنسان معهم، فقد يأتيه بعمه أو بخاله، فيأتي العم أو الخال ويدخل بكلمات يُحرج بها قريبه، وهذا لا يجوز، وإذا رفض يقول له: أهنتني أمام الناس، ليس لي عندك قدر ولا وجه، فهذا لا ينبغي، ومثل هذه العبارات ينبغي أن تُصرف عن الصلح، وينبغي أن يكون الصلح بشيء من الرضا، فالأخذ بالإحراج لا يجوز، أو أن يستعمِل القوة كأن يكون موظفاً عند مديره، فيأخذ مديره من أجل أن يعفو، فهذا لا يجوز، بل لا يجوز للمدير أن يدخل إذا علم أن في مثل هذا ظلماً؛ لأن هذا إساءة في استخدام مكانة الإنسان، ونعمة الله التي أنعم عليه، فينبغي أن يكون دخول الإنسان بالتي هي أحسن. ولذلك ثبت في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قصة بريرة عندما أُعتِقت فأصبح لها الخيار في البقاء تحت زوجها أو تركه إذا كان عبداً فاختارت بريرة الفسخ، فلقيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسألها أن تعود لزوجها، فقالت: (يا رسول الله! أتأمرني؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنما أنا شافع) أي: لا أملك إلا الشفاعة، فما قال لها: من حقي عليك .. أو أحرجها، بل قال لها: (إنما أنا شافع)، أي: لا أُكرهك على عِشرة لا تريدينها، ولا أُكرهك على شيءٍ لا ترغبين فيه. وهذا هو الإنصاف والعدل والقسط الذي أمر الله به، ولذلك يقول الله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ [الأنفال:1].

سماحة النفس إذا لم يقبل صلحه ينبغي أن يكون الصلح بتقوى الله، وأن يكون في حدود طاقة الناس، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وعلى المصلح إذا لم تقبل شفاعته أن لا يحقد، وأن لا يحمل في نفسه على من رد شفاعته، فإن الإمام مالكاً رحمه الله يقول قولته المشهورة: (ليس كل الناس يستطيع أن يُبدي عذراً) فلربما كان هذا الرجل يحبك ويكرمك. بل إن واحداً من مشايخنا رحمة الله عليهم دخل في قضية فشفع فلم يُشفَّع، وكان الرجل صريحاً معه، فلما رجع قال له بعض طلابه: إن فلاناً أساء برد شفاعتك، فقال له: لا تغتب، والله إني أحببته لصدقه. وهذا شأن العقلاء: إن فلاناً له ظرف كذا وكذا .. وذكر ظرفه .. فالإنسان العاقل الحكيم يقدِّر ظروف الناس، والعالم علِم بعذر هذا الرجل دون أن يحدِّثه الرجل فقدَّر ظرفه، فينبغي لمن رُدَّت شفاعته في الصلح أن لا يحقد وأن لا يحمل في نفسه على من سأله أن يعفو فلم يفعل. وفي الصلح مسائل وأحكام سنتكلم عليها إن شاء الله في الدرس القادم، وأحببت أن يكون هذا المجلس عن مقدمات الصلح؛ لأن أحكام الصلح مرتبط بعضها ببعض، فنظراً لأن هذا الدرس سيكون إن شاء الله آخر الدروس حتى ننقطع للاختبارات، رأيت من المناسب إن شاء الله أن تكون أحكام الصلح مترتبة بعضها على بعض ومتصلة. وصلى الله وسلم وبارك على نبيه وآله وصحبه.

الأسئلة ...... حكم الكذب والحلف كذباً من أجل الإصلاح بين الناس السؤال: هل يجوز الكذب أو الحلِف كذبا من أجل الإصلاح بين الناس؟ الجواب: باسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: يجوز الكذب للإصلاح بين الناس، لما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (ليس الكاذب الذي ينمي خيراً أو يقول خيراً)، قال جمهرة الشُّرّاح: المراد بالحديث: (أن ينمي خيراً): أي: يكذب بين المتخاصمين، فيقول لأحدهما: فلان يحبك، فلان يذكرك بخير، فلان يثني عليك، فلان يذكر معروفك، ونحو ذلك من الكلمات، أو يقول للمرأة: زوجك يحبك، وزوجك يريدك، وزوجك يثني عليك، وزوجك يحمد ما كان منك، ونحو ذلك من الكلمات، ولو كانت كذباً فهذا مما يستثنى من المحرم. أما الحلِف بالله فلا يجوز أن يحلِف بالله كاذباً للصلح بين المتخاصمين؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في الحديث الصحيح: (يمينك على ما يصدقك عليه صاحبك)، فالتورية في الأيمان والكذب فيها لا تجوز، فلا يجوز أن يحلف بالله كاذباً، والحلف بالله كاذباً خاصة في الحقوق يمينٌ غموس، تغمس صاحبها في النار -والعياذ بالله- وعلى هذا لا يجوز للمسلم أن يحلف بالله كاذباً، وإنما يقول الكلام المعروف الذي يقرِّب من القلوب بالصفة التي ذكرنا، والله تعالى أعلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير