ومنها: أثر روسيا في الشرق قديما وحديثا، والفتوحات الإسلامية في الهند، والإسلام في جاوة وما جاورها، وحديث عن مسلمي الفليبين والأندلس (وهو بحث مطول هام في ذكر حضارة المسلمين في الأندلس، وما وقع لهم بعد سقوطها)، وبحث عن جرائم الإيطاليين في ليبيا مع عرض تاريخي لاحتلال إيطاليا لطرابلس، حديث مطول عن القبائل في منطقتي برقة وطرابلس الغرب، وتاريخ الدعوة السنوسية، … وغير ذلك.
كما اشتملت على بيان حال المسلمين في البقاع المختلفة من العالم في طاغستان، والصين، وأفغانستان، وروسيا، وإفريقيا، … وغيرها.
وضمت تراجم لزويمر، ومحمد عبده، ومحمد رشيد رضا، وجمال الدين الأفغاني، وأحمد الشريف السنوسي، وعبد القادر الجزائري، وأنور باشا، وغيرهم.
وفي الكتاب بحث طريف في الدفاع عن الحروف العربية والمقارنة بينها وبين الحروف اللاتينية (17).
كما بث فيها أرسلان دررا من خبرته السياسية، كقوله: "من ولي السودان فقد أخذ بمخنق مصر لا تملك هذه معه أن تصعد نفسا" (18)، وقوله: " يبدأ (المستعمر) باستعمال نفوذ الأمير الوطني في أغراضها وتصريفه في حاجاتها حتى إذا قضتها كلها رجعت إليه ونبذته نبذ الحصاة وذهب يقرع سن الندم على استرساله إليها واعتماده عليها" (19)، وغير ذلك كثير.
لقد عاصر الأمير شكيب أرسلان فترة هامة في تاريخ العالم الإسلامي، ومارس السياسة قبل انهيار الدولة العثمانية على يَدَي الاتحاد والترقي، وكانت له صداقات وعلاقات شخصية مع الكثير من الزعماء والكبراء في هذا العصر مثل: جمال الدين الأفغاني، ومحمد رشيد رضا، وأنور باشا، ومصطفى كمال أتاتورك، وأحمد الشريف السنوسي، وغيرهم، بل جالس الخليفة العثماني مرات، وكانت له صلات مع الكثير من المستشرقين والباحثين الغربيين، وقد ساق في كتابه الكثير من معلوماته الشخصية التي أخذها مشافهة عن معاصريه، مما أدى ببحوثه أن تكون كما وصفها بحق بقوله:
" أما كتابنا هذا في أجزائه الأربعة … يجوز أن يُقال إنه معلمة إسلامية صغيرة، بل هو في المباحث الجغرافية والتاريخية والإحصائية عن أقطار الإسلام النائية وبقاعه المجهولة فذٌ في بابه، وكذلك يمتاز هذا الكتاب بالمباحث السياسية التي قيض لمحررها أن يعلمها من عَيْنٍ صافية، وأن يقف على الرواية الوثقى منها بطول خبرته وقرب سنده، واستمرار مزاولته لهذه الأمور من 47 سنة، وفيه بعد (20) لم يسجلها كتاب ولا جرى بها قلم فلا يجدها الناشد في غيره إذ هي نتيجة مشاهدات الكاتب وما رآه بالعين وما سمعه بالأذن وما كان له فيه أخذ ورد.
وعلى كل حال ففي هذا الكتاب من الطريف ما لا يسع إنكاره الجاحد ولا يضيره مراء الحاسد، ولا شك في أن الأمة الإسلامية الناهضة إلى تجديد تاريخها ... ستتفطن إلى كل ما يعوزها من هذه المقاصد الجليلة " (21).
هذا بالإضافة إلى ما تحلى به شكيب أرسلان من ثقافة عربية إسلامية أصيلة وقراءة واسعة للتراث الإسلامي وتاريخه مع اعتداده بحضارته وشريعته، كل هذا جعل للمعلومات الواردة في الكتاب قيمة هامة تفوق كثيرا ما كتبه ستودارد – صاحب الكتاب الأصلي، ولنا أن نقول أن قيمة الكتاب فيما علقه شكيب أرسلان لا ما كتب ستودارد، فلقد جاء كتاب ستودارد – فيما نرى – تكريرا وترديدا لكتابات المستشرقين بما اعتراها من قصور وسوء فهم – بالإضافة إلى سوء نية ومغالطات وتجنٍّ عند أكثرهم.
ولقد زادت دراية شكيب أرسلان باللغات العربية والتركية والفرنسية والألمانية والإنجليزية من قيمة الكتاب وأَثْرَته كثيرا فلم يقتصر على المصادر العربية في سياق الأحداث بل أضاف إليها المصادر الأجنبية طلبا للإنصاف والدقة العلمية.
وقد صدرت الطبعة العربية الأولى للكتاب عن المطبعة السلفية بالقاهرة سنة 1343 هـ / 1925 في جزأين، فانتشرت في جميع العالم العربي انتشارا عجيبا – كما يقول أرسلان - (22) ولم يمض على طبعه أربع أو خمس سنوات حتى نفدت نُسخه بأجمعها، مما استدعى إعادة طبعه مع زيادات وتنقيحات لتصدر الطبعة الثانية عن مطبعة عيسى البابي الحلبي بالقاهرة سنة 1352 هـ / 1931 – 1932 م في أربعة أجزاء.
¥