تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يُجاهر بها، فإن حصلت المجاهرة ولم يقم المسلمون بواجبهم من الإنكار فهذا نذيرٌ بنهاية المجتمع، فإن سنة الله أن تنزل العقوبة على ذلك المجتمع، ولا عبرة بوجود الصالحين والعلماء إذا لم ينهوا عن المنكر، يقول تعالى: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً [الأنفال:25].

فواجبنا نحن ـ عباد الله ـ أن نقاوم انتشار المنكر بكل ما أوتينا من قوة، وبحسب ما يسمح لنا به ديننا من غير عنف ولا إضرار، وبالموازنة بين المفاسد والمصالح، وأول ما يجب عليك البدء به أهلك، فابدأ بنفسك وبمن تعول، ولو أصلح كل منا نفسه وأهله وجيرانه وأصدقاءه لصلحت الدنيا كلها.

فاتقوا الله عباد الله، وانهوا عن المنكر، ولكم في من حولكم عبرة وعظة، ممن سلط الله عليهم الحروب والزلازل والفواحش والعياذ بالله.

اللهم احفظنا بحفظك، واسترنا بجميل سترك يا أرحم الراحمين ...

الخطبة الأولى

أمّا بعد: فاتّقوا الله عبادَ الله، اتقوا اللهَ وراقبوه، وأطيعوا أمرَه ولا تعصوه، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، فمن اتَّقى الله وقاه، ومِن كلِّ ما أهمَّه كَفاه.

وبَعد: معاشرَ المسلمين، إنَّ ممّا جاء في مشكاةِ النبوَّة قولَ النبيِّ: ((مَن أصبحَ منكم آمنًا في سِربه معافًى في جَسَده عنده قوتُ يومِه فكأنّما حِيزَت له الدّنيا)) رواه الترمذي وابن ماجه [1]. فجعلَ النبيُّ أصولَ حيازة الدنيا ثلاثةَ أشياء: الأمنَ في الأوطان والمعافاة في الأبدان والرزقَ والكفاف، ففَقدُ الأمن فقدٌ لثُلُث الحياة، والثلثُ كثير.

ولما كان الأمنُ ثلُثَ العَيش امتنَّ الله به على الأسلافِ مِن قُريش: فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ [قريش:3، 4].

أيّها المسلمون، الأمنُ والأمان والطمأنينة والاستقرار مطلبٌ ضروريّ من مطالبِ الإنسان، ففي ظلِّ الأمن يرغَد العيشُ وينتشر العِلم ويتفرَّغُ الناس لعبادةِ ربهم ومصالح دنياهم وتنبُت شجرةُ الهناء؛ لذا كانت دعوةُ إبراهيمَ الخليل عليه السلام: رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَاتِ [إبراهيم:35 - 37]. فانظر كيف قدَّم الأمنَ على طلب الرزق؛ لأنه لا يهنَأ عيشٌ بلا أمان.

وقد امتنّ الله تعالى على عباده بالأمنِ في مواضعَ كثيرةٍ من كتابه، منها قوله سبحانه: وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمْ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [الأنفال:26]. قال قتادةُ بن دِعامة السّدوسيّ رحمه الله في هذه الآية: "كان هذا الحيُّ من العرب أذلَّ الناس ذُلاًّ وأشقاهُ عيشًا وأجوَعَه بُطونًا وأعراه جُلودًا وأبيَنه ضلالاً، من عاش منهم عاش شقيًّا، ومن مات منهم رُدِّي في النار، يُؤكَلون ولا يَأكلون، واللهِ لا نعلم قبيلاً من حاضِر أهل الأرض يومئذٍ كانوا أشرَّ منزلاً منهم، حتى جاءَ الله بالإسلام، فمكَّن به في البلاد، ووسَّع به في الرزق، وجعلهم به مُلوكًا على رقاب الناس، وبالإسلام أعطَى الله ما رأيتُم، فاشكروا اللهَ على نعَمه، فإن ربَّكم منعمٌ يحبُّ الشكر، وأهلُ الشّكر في مزيدٍ من الله" انتهى كلامه رحمه الله [2].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير