تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إنَّ المفترَضَ في هذه الأزمات هو الفِرارُ إلى الله والتوبةُ النصوح والتنادِي بالرجوع إلى الله والالتجاء إليه والأمرُ بالمعروف والنهيُ عن المنكر وإسكاتُ دعاةِ الرذيلة وعداة الصلاح. أمّا الغفلةُ والتمادي والنومُ عن المنادي وإقامةُ الحفلاتِ الماجنات والسَّفرات المشبوهات والإصرارُ على مخالفة أوامر الله فإنها مَجلَبةُ النقم مُزيلة النّعم، وتعظُم المصيبةُ إذا كانت الذنوب تُشهَر وتُعرَض ولا تُنكَر، وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: ((كلُّ أمَّتي مُعافى إلاَّ المجاهرين)) [4].

يجب علينا التمسُّكُ بالسّنة ولو تركها الناس، وأن نُغليَها ولو أرخصوها وندافعَ عنها ونصبرَ على الأذى في ذلك، فهذا سبيل النبيِّين والصدِّيقين والشهداء والصّالحين، وهذا هو طريق الأمنِ في الدّنيا والآخرة.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [الأنفال:24].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بسنّة سيِّد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفِر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.


[1] سنن الترمذي: كتاب الزهد، باب: التوكل على الله (2346)، سنن ابن ماجه: كتاب الزهد، باب: القناعة (4141) من حديث عبيد الله بن محصن الأنصاري رضي الله عنه، وأخرجه أيضا البخاري في الأدب المفرد (300)، والحميدي في مسنده (439)، قال الترمذي: "حديث حسن غريب"، وله شواهد من حديث أبي الدرداء وابن عمر وعلي رضي الله عنهم، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (2318).

[2] أخرجه الطبري في تفسيره (4/ 37، 9/ 220).

[3] أخرجه الطبري في تفسيره (13/ 474 ـ شاكر ـ) من طريق علي بن أبي طلحة عنه.

[4] صحيح البخاري: كتاب الأدب (6069)، صحيح مسلم: كتاب الزهد (2990).

الخطبة الثانية

الحمدُ لله، يُحمَد بنعمته، وتُنال كرامتُه برحمتِه، وَهُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [القصص:70]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه.

وبعد: أيَا عبدَ الله، حاسِب نفسَك قبلَ أن تحاسَب، ولا تنظُر إلى الهالِك كيفَ هلك، ولكن انظُر إلى الناجي كيف نجا، ولا تمتدَّ بك حبالُ الأمانِي والغرُور، فالعمُر قصير، والأجَل محدود، والناقِد بصير، وموقفُ العَرض على الله عَسير، إلاَّ على من يسَّره الله عليه، وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ [الحج:47].

تأمَّل في مَطعَمك ومشربك، وانظر ماذا تَرى وتسمَع وتقول، وماذا تُسِرّ وتعلن, ولئن خَفِيت منك اليومَ خافية فهناك في أرض المحشَر يُكشَف الغطاءُ وتتكلَّم الجوارح، لقد جاءتك مِن ربِّك النذُر، فمن تذكَّر فإنما يتذكَّر لنفسه، وصدق الله: لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ [يس:70]. والتَّائبُ من الذنب كمن لا ذنبَ له، والله يعفو ويصفَح.

أيّها المسلمون، ووقفةٌ أخيرةٌ قبلَ الختام والتفاتَة يسيرةٌ إلى الأمنِ والأمان، فإذا كان الأمنُ من الله مِنَّة والاستقرارُ رحمةً ونعمة والرزق لهما تابِع وللنّاس فيهما منافِع، فكيف يكون جُرمُ من أخلَّ بهما وحمَلَ السلاح بينَ ظهراني المسلمين، وتربَّص بالشرّ الآمنين. لقد أنكَر النبيّ على من أخفى سُوطَ أخيهِ يريد ممازحتَه حمايةً لصاحب السَّوط أن يقلقَ أو يهتمّ أو يصيبه الغمّ، فأين العابثون بالأمنِ عن هذا الذَّوقِ النبويّ والإرشاد المحمَّديّ وهم قد حَمَلوا السلاحَ وحصدوا الأرواحَ وقد بانت معالمُ الرشادِ واتَّضح الحقُّ والصواب؟!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير