بَلَغَنِي يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ مَا أَنْتَ فِيْهِ مِنَ الضِّيقِ، وَمَا عَلَيْكَ مِنَ الدَّيْنِ، وَقَدْ وَجَّهْتُ إِلَيْكَ بِأَرْبَعَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ عَلَى يَدَيْ فُلاَنٍ، وَمَا هِيَ مِنْ صَدَقَةٍ وَلاَ زَكَاةٍ، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ وَرِثْتُهُ مِنْ أَبِي.
فَقَرَأْتُ الكِتَابَ، وَوَضَعتُه، فَلَمَّا دَخَلَ، قُلْتُ: يَا أَبَةِ، مَا هَذَا الكِتَابُ؟
فَاحْمَرَّ وَجْهُه، وَقَالَ: رَفَعْتُه مِنْكَ.
ثُمَّ قَالَ: تَذْهَبُ لِجَوَابِه؟
فَكَتَبَ إِلَى الرَّجُلِ: وَصَلَ كِتَابُكَ إِلَيَّ، وَنَحْنُ فِي عَافِيَةٍ.
فَأَمَّا الدَّيْنُ، فَإِنَّهُ لِرَجُلٍ لاَ يُرهِقُنَا، وَأَمَّا عِيَالنَا، فَفِي نِعمَةِ اللهِ.
فَذَهَبتُ بِالكِتَابِ إِلَى الرَّجُلِ الَّذِي كَانَ أَوصلَ كِتَابَ الرَّجُلِ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ حِيْنٍ، وَردَ كِتَابُ الرَّجُلِ مِثْلَ ذَلِكَ، فَردَّ عَلَيْهِ بِمِثلِ مَا ردَّ.
فَلَمَّا مَضتْ سَنَةٌ أَوْ نَحوُهَا، ذَكرنَاهَا، فَقَالَ: لَوْ كُنَّا قَبِلنَاهَا، كَانَتْ قَدْ ذَهَبتْ.
وَشَهدتُ ابْنَ الجَرَوِيِّ وَقَدْ جَاءَ بَعْدَ المَغْرِبِ، فَقَالَ لأَبِي: أَنَا رَجُلٌ مَشْهُوْرٌ، وَقَدْ أَتَيْتُكَ فِي هَذَا الوَقْتِ، وَعِنْدِي شَيْءٌ قَدِ اعتَددتُه لَكَ، وَهُوَ مِيرَاثٌ، فَأُحِبُّ أَنْ تَقبلَه.
فَلَمْ يَزَلْ بِهِ، فَلَمَّا أَكْثَرَ عَلَيْهِ، قَامَ وَدَخَلَ.
قَالَ صَالِحٌ: فَأُخْبِرْتُ عَنِ ابْنِ الجَرَوِيِّ أَنَّهُ قَالَ:
قُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ هِيَ ثَلاَثَةُ آلاَفِ دِيْنَارٍ.
فَقَامَ وَتَركنِي.
قَالَ صَالِحٌ: وَوجَّهَ رَجُلٌ مِنَ الصِّينِ بِكَاغَدٍ صِيْنِيٍّ إِلَى جَمَاعَةٍ مِنَ المُحَدِّثِيْنَ، وَوَجَّه بِقِمَطْرٍ إِلَى أَبِي، فَرَدَّهُ، وَوُلدَ لِي مَوْلُوْدٌ، فَأَهدَى صَدِيْقٌ لِي شَيْئاً، ثُمَّ أَتَى عَلَى ذَلِكَ أَشهرٌ، وَأَرَادَ الخُرُوجَ إِلَى البَصْرَةِ، فَقَالَ لِي: تُكلِّمُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَكْتُبُ لِي إِلَى المَشَايِخِ بِالبَصْرَةِ؟
فَكَلَّمتُهُ، فَقَالَ: لَوْلاَ أَنَّهُ أَهدَى إِليكَ، كُنتُ أكتُبُ لهُ.
وَبِهِ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ، قَالَ:
بَلَغَنِي أَنَّ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ رَهنَ نَعْلَه عِنْد خَبَّازٍ بِاليَمَنِ، وَأَكرَى نَفْسَه مِنْ جَمَّالين عِنْدَ خُرُوْجِه، وَعَرضَ عَلَيْهِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ دَرَاهِمَ صَالِحَةً، فَلَمْ يَقبلْهَا. (11/ 207)
وَبَعَثَ ابْنُ طَاهِرٍ حِيْنَ مَاتَ أَحْمَدُ بِأَكفَانٍ وَحَنُوطٍ، فَأَبَى صَالِحٌ أَنْ يقبَلَهُ، وَقَالَ: إِنَّ أَبِي قَدْ أَعَدَّ كَفَنَه وَحَنوطَه.
وَردَّه، فَرَاجَعَه، فَقَالَ: إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ أَعْفَى أَبَا عَبْدِ اللهِ مِمَّا يَكْرَهُ، وَهَذَا مِمَّا يَكْرَهُ، فَلَسْتُ أَقبَلُه.
وَبِهِ حَدَّثَنَا صَالِحٌ، قَالَ: قَالَ أَبِي:
جَاءنِي يَحْيَى بنُ يَحْيَى - قَالَ أَبِي: وَمَا أَخرجَتْ خُرَاسَانُ بَعْدَ ابْنِ المُبَارَكِ رَجُلاً يُشبِه يَحْيَى بنَ يَحْيَى - فَجَاءنِي ابْنُه، فَقَالَ: إِنَّ أَبِي أَوْصَى بِمَبْطَنَةٍ لَهُ لَكَ، وَقَالَ يُذَكِّرنِي بِهَا.
فَقُلْتُ: جِئْ بِهَا.
فَجَاءَ بِرُزمَةِ ثِيَابٍ، فَقُلْتُ لَهُ: اذهَبْ رَحِمَكَ اللهُ -يَعْنِي: وَلَمْ يَقبلْهَا-.
قُلْتُ: وَقِيْلَ: أَنَّهُ أَخذَ مِنْهَا ثَوباً وَاحِداً.
وَبِهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا صَالِحٌ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي: إِنَّ أَحْمَدَ الدَّوْرَقِيَّ أُعْطِيَ أَلفَ دِيْنَارٍ.
فَقَالَ: يَا بُنَيَّ: {وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه: 131].
وَبِهِ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ، حَدَّثَنِي عُبَيْدٌ القَارِيُّ، قَالَ:
دَخَلَ عَلَى أَحْمَدَ عَمُّه، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، أَيْشٍ هَذَا الغَمُّ؟
وَأَيْشٍ هَذَا الحُزْنُ؟
فَرَفَعَ رَأْسَهُ، وَقَالَ: يَا عَمِّ، طُوبَى لِمَنْ أَخْمَلَ اللهُ ذِكْرَه.
وَبِهِ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ:
¥