يقول الحافظ ابن رجب في توضيح هذه المسألة:" وأما أكثر الحفاظ المتقدمين فإنهم يقولون في الحديث إذا تفرد به واحد وإنْ لم يرو الثقات خلافه: (إنه لا يتابع عليه) ويجعلون ذلك علة فيه اللهم إلاّ أنْ يكون ممن كثر حفظه واشتهرت عدالته وحديثه كالزهري ونحوه، وربما يستنكرون بعض تفردات الثقات الكبار أيضاً ولهم في كل حديث نقد خاص، وليس عندهم لذلك ضابط يضبطه ".
فالمتقدمون يعلون الأحاديث التي ينفرد بها الراوي ولو كان ثقة، إذا كان هذا الحديث ليس معروفاً عندهم.
يقول الإمام أبو داود السجستاني: " والأحاديث التي وضعتها في كتاب السنن أكثرها مشاهير، وهي عند كل من كتب شيئاً من الحديث إلاّ أنَّ تمييزها لا يقدر عليه كل الناس والفخر بها أنها مشاهير، فإنه لا يحتج بحديث غريب ولو كان من رواية مالك ويحيى بن سعيد والثقات من أئمة العلم، ولو احتج رجل بحديث غريب وجدت من يطعن فيه ولا يحتج بالحديث الذي قد احتج به إذا كان الحديث غريباً شاذاً ".
وهكذا ندرك أنَّ الأئمة المتقدمين يكرهون الأفراد ولو كان من ثقة خاصة إذا كانت تلك الأفراد لا يعرفها المعرفون: قال عبد الله بن المبارك:"العلم هو الذي يجيئك من ههنا ومن ههنا - يعني المشهور -".
وروى الإمام الزهري عن علي بن الحسين القول: " ليس من العلم ما لا يعرف، إنما العلم ما عرف وتواطأت عليه الألسن ".
وقال الإمام مالك: "شر العلم الغريب، وخير العلم الظاهر الذي قد رواه الناس ".
،وقال الإمام أحمد:"لا تكتبوا هذه الأحاديث الغرائب فإنها مناكير، وعامتها عن الضعفاء ".
والتفرد إما أنْ يكون في الطبقات المتقدمة كطبقة الصحابة الكرام أو كبار التابعين وهذا لا يضر لقرب الراوي من مصدر الحديث، وعدم تشعب الطرق إليه من ناحية، ولعدالة وضبط الصحابة الكرام وكبار التابعين لقربهم من أنفاس النبوة من ناحية أخرى، اللّهم إلاّ إذا ثبتت مخالفة فيفزع حينئذٍ إلى القرائن.
وأما إذا كان التفرد في الطبقات المتأخرة - من بعد التابعي - فإن التفرد هنا يضر وخاصة إذا لم يعرفه المعرفون، ولم يحفظه في مدونات الرواية.
كما مر من قول أبي داود، وكما قال أبو حاتم الرازي: "فأين هو في روايات سفيان "؟
وهذا التفرد الأخير قسمه علماء المصطلح إلى: تفرد مطلق: وهو كما قال الحاكم النيسابوري: " أحاديث يتفرد بروايتها رجل واحد عن إمام من الأئمة، ومثال ذلك: ما حدثناه أبو العباس محمد بن يعقوب قال: حدثنا أحمد بن شيبان الرملي قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن نافع عن ابن عمر: "أن النبي e بعث سرية إلى نجد فبلغت سهمانهم اثنى عشر بعيراً فنفلنا النبي eبعيراً بعيراً "، قال الحاكم تفرد به سفيان بن عيينة عن الزهري وعنه أحمد بن شيبان الرملي ".
وإلى تفرد نسبي: كأن يتفرد به أهل مدينة واحدة عن الصحابي، قال الحاكم: ومثال ذلك ما حدثناه أبو نصر أحمد بن سهل الفقيه ببخارى قال:حدثنا صالح بن محمد بن حبيب الحافظ قال:حدثنا علي بن حكيم قال: حدثنا شريك عن أبي الحسناء عن الحكم بن عتيبة عن حنش قال:" كان علي t يضحي بكبشين، بكبش عن النبي e ، وبكبش عن نفسه، وقال: كان أمرني رسول الله e أن أضحي عنه فأنا أضحي عنه أبداً ". قال الحاكم: تفرد به أهل الكوفة من أول الإسناد إلى آخره لم يشركهم فيه أحد ". أو أنْ يتفرد بها أهل بلد عن أهل بلد آخر.
قال الحاكم:"وهذا نوع يعز وجوده وفهمه، ومثال ذلك: ما حدثناه أبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي قال: حدثنا موسى بن سهل بن كثير قال: حدثنا إسماعيل بن علية عن خالد الحذاء عن ابن أشوع عن الشعبي عن وراد قال:"كتب معاوية بن أبي سفيان إلى المغيرة اكتب إلي بشيء سمعته من رسول الله e فكتب إليه:" أنه كان ينهى عن قيل وقال وكثره السؤال وإضاعة المال ". قال الحاكم: سعيد بن عمرو بن أشوع شيخ من ثقات الكوفيين يجمع حديثه ويعز وجوده وليس هذا الحديث عند الكوفيين عنه إنما ينفرد به أبو المنازل خالد بن مهران الحذاء البصري عنه" (.
والله أعلم.
الدكتور عبد القادر المحمدي
ـ[أبو زُلال]ــــــــ[14 - 03 - 05, 12:12 م]ـ
أنَّ الإمام ابن الصلاح ومن نحا نحوه في مفهوم التفرد قد ضيقوا واسعاً
لكن على ما يظهر مما حكاه الدكتور، أن المتقدمون هم الذين ضيقوا واسعا في مفهوم التفرد. إذ هم لا يحتجون به أبداً.
ـ[شهاب الدين]ــــــــ[03 - 04 - 05, 05:23 م]ـ
السلام عليكم
بارك الله فيكم
ـ[أبو ذر الفاضلي]ــــــــ[12 - 11 - 05, 12:32 م]ـ
بارك الله فيك
ـ[العارض]ــــــــ[16 - 06 - 07, 08:51 م]ـ
...