تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ووفقا لهذه السنن أصاب الأقرع والأبرص الفقر والمرض عقابا لهما على تكبرهما وبخلهما، بينما رفل الأعمى في النعيم بسبب إنفاقه وشكره لله جل جلاله الذي أعطى فأنعم، ومن أوفى بعهده من الله؟

{وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ} آل عمران: 145؛

{نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ} القمر: 35؛

ولم يسع المتدبر والمتتبع لهذه القصة إلا متابعة سيدنا سليمان في قوله: {هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيم} النمل: 40

9 – من حيث إقامة الحجة بالبيان الواضح:

قال الملك للأبرص: " رَجُلٌ مِسْكِينٌ تَقَطَّعَتْ بِيَ الْحبَالُ فِي سَفَرِي فَلَا بَلَاغَ الْيَوْمَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ أَسْأَلُكَ - بِالَّذِي أَعْطَاكَ اللَّوْنَ الْحَسَنَ وَالْجِلْدَ الْحَسَنَ وَالْمَالَ- بَعِيرًا أَتَبَلَّغُ به فِي سَفَرِي ". ثم أضاف: " كَأَنِّي أَعْرِفُكَ أَلَمْ تَكُنْ أَبْرَصَ يَقْذَرُكَ النَّاسُ فَقِيرًا فَأَعْطَاكَ اللَّهُ ". إنه كلام بين واضح وحجة قائمة. كما قال نفس الشيء للأقرع والأعمى على خلاف في صفة كل منهما.

لقد اشتمل البيان على سؤال واضح من أجل الإنفاق في سبيل الله، ولم يقف هناك، بل منّ على كل من الأقرع والأبرص بعطاء الله لهما وشفائهما مما استقذرهما الناس به. إنها حجة الله كافية شافية واضحة بّينة لم تترك مزيدا لمستزيد.

10 – من حيث قاعدة الهداية لسنن السابقين:

والله جل جلاله متم نوره ولو كره الكافرون، فإرادته تجلت بقطع دابر الكافرين بقوله عز وجل:

{وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ} محمد: 38.

تحقق في الأقرع والأبرص جواب الشرط، وصارا إلى ما كانا عليه في الابتلاء من فقر وابتلاء بعد أن كشف الله الأذى ورزقهما رزقا واسعا. فجاء بخلهما وكذبهما وترفعهما ليرديهما فيما كانا فيه قبل النعيم. وصدق الله العظيم:

{وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبَادِ} غافر: 31

{وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُون} آل عمران: 117

هكذا يتضح انقلاب الشيء إلى أصله، ومن الأصل إلى ضده؛ لتوفر الدواعي والعوامل المؤثرة لذلك. وكل ما سبق من السنن فهي عبر وعظات تستخلص من هذه القصة؛ إذ ليست هي أحداثا عابرة يطويها الزمان، بل تتجدد هذه الأحداث كلما توفرت العوامل والدواعي لذلك، من هنا جاء الحديث النبوي: " السعيد من اتعظ بغيره ".5

11 - من حيث قاعدة التوبة:

إنما يبتلي الله العباد ليدعوهم إلى باب التوبة والإنابة:

{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} الروم: 41.

ويأبى الإنسان الظلوم الجهول إلا العناد وركب جموحه:

{وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً} النساء: 27.

فالملك يذكرهم بنعم الله وبما كانوا عليه من فقر ومرض عساهم إلى رشدهم يؤوبون وإلى ربهم يتوبون، ويأبى الإنسان إلا الجحود والكذب كفرا بنعم الله ظنا منه أنها لا تزول ولا تحول.

12 - من حيث قاعدة نصرة المستضعفين:

جعل الله لكل شيء قدرا وأبى المستكبرون إلا إهانة المستضعفين علوا في الأرض واستكبار، ووعد الله جل جلاله بنصرة المستضعفين بقوله:

{وَنُريدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِين} القصص: 5.

وهكذا يحكي كل واحد من الثلاثة أن الناس قد استقذروه بما ابتلاه الله به، ومنّ الله عليهم وأثابهم شفاء ورزقا عريضا، وكانوا من الوارثين لولا كفر وجحود كل من الأقرع والأبرص.

13 - من حيث قاعدة العاقبة للمتقين:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير