تأمل اللفظَ وتنفيرَه: (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ) و (الْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ) هكذا بلا كناية ولا مُواربة،فأين توارت توريات وكنايات القرآن؟!
بل يؤكد معناها بالنص على ضدها (وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ) فلا بد من أحد الوصفين إما خبيث أو طيب.
وحين يرد هذا اللفظ المستشنع "خبيث" تتهادى إلى خاطرك آية الأنفال:
(لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ)
كانت أجسادا على الأرائك بعضها فوق بعض بالحرام، فصارت أجسادا بعضها أيضاً فوق بعض لكن متراكمة كجثث الموتى في نار جهنم، عياذا بالله.
ومن طهر نفسه فهو "الطيب"، والناس في هذا يتفاوتون:
1 – فمنهم المحصن: وهو من حصن نفسه منها وإن نازعته شهوته.
2 - وفوقه الغافل: وهو من لم تَدُر الفاحشة بخاطره أصلا.
ولما كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قد حازت أعلى المرتبتين قال الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ) (23)
وفي القوم أناس جريرتهم الكبرى "فقط" هي محبة نشر الفاحشة (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ)،فهؤلاء يحبون مشاهد الفُحش بين الشباب والفتيات، يطربون لسماعها في المجالس،يرسلون روابطها للناس عبر المنتديات والإيميلات والقروبات،يتسابقون إلى برمجة ونشر (البروكسي) لتحطيم سدود الطهر،وما درى هذا المسكين أنه يُسابق إلى جبل من جبال جهنم، أيها يحطم رأسه أولاً.
فغرس محبة العفاف سوْرٌ عظيم من أعظم أسوار الفضيلة:
ولذا امتن الله على المؤمنين بقوله (وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ)، وأثنى عليهم بقوله (وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ)، وقوله (وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)، ودعا به صلى الله عليه وسلم لأمته "اللهم طهِّر قلبَه، وحصِّن فرجَه ".
وهذا الغرس له من الوسائل والأساليب ما لا يحصى:
1 - الإقناع: " أترضاه لأمك ... " وقد تقدم الحديث عنه في السور الثالث.
2 - معرفة شرف العفة وفضلها:
(وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا) [التحريم: 12]، (وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا) [الأنبياء: 91]، وهنا لطيفة بديعة في مجيء حرف الفاء (فنفخنا) بين الجملتين (أحصنت) و (نفخنا)، فالفاء هنا تفيد التفريع، أي أن ما بعدها (نفخنا) فرع ونتيجة لما قبلها (أحصنت)، فلا إله إلا الله ما أعظم بركة العفة في الدنيا والآخرة.
بل إن الله لما ذكر مريم عليها السلام وصفها بثلاث صفات:
الأولى (الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا)، والثانية (وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ)، والثالثة (وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ)، فتأمل:
كيف قدم الله وصفها بالإحصان على وصفها بالتصديق والقنوت؟!
وكيف ذُكر النفخ بعده وقبلهما إظهارا للسبب الأبلغ أثراً لاصطفائها بهذا النفخ العظيم!
ومن السنة في الحديث الثابت عنه صلى الله عليه وسلم قال: " إِذَا صلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا، قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ ".
وما أجمل لو حفظنا بناتنا أمثال هذه الأبيات الرائقة
للشاعر المبدع خالد صابر:
أختاه لا تهتكي ستر الحياء ولا ... تضيعي الدين بالدنيا كمن جهلوا
تمسكي بكتاب الله واعتصمي ... ولا تكوني كمن أغراهم الأجل
أختاه كوني كأسماء التي صبرت ... وأم ياسر لما ضامها الجَهِل
كوني كفاطمة الزهراء مؤمنة ... ولتعلمي أنها الدنيا لها بدل
كوني كزوجات خير الخلق كلهمو ... من علم الناس أن الآفة الزلل
من صانت العرض تحيا وهي شامخة ... ومن أضاعته ماتت وهي تنتعل
كل الجراحات تشفى وهي نافذة ... ونافذ العرض لا تجدي له الحيل
أختاه إنا إلى الرحمان مرجعنا ... وسوف نسأل عما خانت المُقل
أختاه عودي إلى الرحمان واحتشمي ... ولا يغرنك الإطراء والدجل
¥