عن عبد الله بن مسعود ? عن النبي ? قال: ["حياتي خير لكم و وفاتي خير لكم, تحدثون ويحدث لكم, تعرض علي أعمالكم فما رأيت من خير حمدت الله وما رأيت من شر استغفرت الله لكم]." (4)
ويشهد له قوله عز من قاءل: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا} [البقرة:143]
وقوله عز وجل: {يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا} [الأحزاب: 45]
3 - رؤية المؤمنين للأعمال:
يقول الله تعالى: {و لتكونوا شهداء على الناس} [الحج: 78]
روى الإمام أحمد عن أبي سعيد مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: [لو كان أحدكم يعمل في صخرة صماء ليس لها باب ولا كوة لخرج عمله للناس كائنا ما كان] "5.
ويشهد لهذا الحديث أقواله صل1صل1:
ٍٍوالله مخرج ما كنتم تكتمون} [البقرة: 72]
{أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم} [محمد ?: 29]
ورؤية الأعمال لا تنحصر فيمن هم معك من بني بلدتك, أو معاشريك في عالم الشهادة, بل تتعداهم إلى عالم الأموات من آباء وأقرباء, ففي ذلك عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صل1: [إن أعمالكم تعرض على أقربائكم وعشائركم في قبورهم، فإن كان خيرا استبشروا به، وإن كان غير ذلك قالوا: " اللهم ألهمهم أن يعملوا بطاعتك] 6
وروى أنس أن النبي صل1 قال: [إن أعمالكم تعرض على أقربائكم وعشائركم من الأموات فإن كان خيرا استبشروا به وإن كان غير ذلك قالوا اللهم لا تمتهم حتى تهديهم كما هديتنا] 7.
فيا ويح من انطوت سريرته على نقيصة يسود لها الوجه في الدارين, وطوبى لمن تطهر في السر والعلن وأخلص عمله لوجه ربه الكريم, وأضحى قلبه بيت من زجاج يرى ظاهره من باطنه و باطنه من ظاهره.
جاء في نهج البلاغة: لا يستقيم قضاء الحوائج إلا بثلاث: باستصغارها لتعظم, و باستكتامها لتظهر, وبتعجيلها لتهنأ8
وهذه شهادات تكشف المستور من الأحوال: " رأيت فقهاء يتكلمون في الناس في الحلال والحرام وفي نص كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ثم لم أجد لكلامهم نفعا ولا ردا, إذ يلهمون الناس بأرواحهم غير المعنى الذي يتكلمون فيه وتسخر الحقيقة منهم ــ على خطرهم وجلال شأنهم ــ بذات الأسلوب الذي تسخر من لص يعظ آخر فيقول له: لا تسرق " 9.
وقال أحمد بن مسكين الفقيه البغدادي في وصفه لسري السقطي: " كنت في المسجد الذي يصلي فيه، فأجده في حلقته وعنده ممن كنت أعرفهم: عبد الله بن أحمد بن حنبل وإدريس الحداد وعلي بن سعيد الرازي وحوله خلق كثير وهو فيهم كالشجرة الخضراء بين الهشيم تعلوه نضرة روحه، وكأنما يمده بالنور عرق من السماء، فهو يتلألأ للعين، ولا يملك الناظر إليه إلا أن يحس في ذات نفسه إن هذا هو الإنسان الأعلى."10
فإذا كانت الخلائق النفسية، والأعمال السرية لا تخفى على الناس مهما يكن من محاولة صاحبها لإخفائها، فماذا يقال في الأعمال التي هي مقتضى العقائد والأخلاق وما انطبعت عليه النفس من ملكات، ومرنت عليه من عادات؟ نرى المؤمنين الصادقين يخفون بعض أعمال البر التي يستحب إخفاؤها كالصدقة على الفقير المتعفف سترا عليه، والمبالغة في الإخلاص لله تعالى الذي ينافيه الرياء وحب السمعة ولكنهم لا يلبثون أن يشتهروا بها، ونرى بعض المنافقين يخفون بعض أعمال النفاق خوفا من الناس لا من الله، ولكنهم لا يلبثون أن يفتضحوا بها,
ومن أمثال العوام: " إن الذي يختفي هو الذي يقع." 11
وقال الشاعر زهير:
ومهما تكن عند امرئ من خليقة ***** وإن خالها تخفى على الناس تعلم
وصدق الله العظيم: {والله مخرج ما كنتم تكتمون} [البقرة: 72]
الخلاصة:
فالآية تهدينا إلى أن مرضاة جماعة المؤمنين القائمين بحقوق الإيمان, المقررة صفاتهم في القرآن تلي مرضاة الله ورسوله, وأنهم لا يجتمعون على ضلالة, وفي معناه حديث أنس قال: [مروا بجنازة فأثنوا عليها خيراً فقال النبي صل1 وجبت, ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شراً فقال النبي صل1 "وجبت", فقال عمر بن الخطاب ? ما وجبت؟ قال: " هذا أثنيتم عليه خيراً فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شراً فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض.] " 12
¥