تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

عن النبي صلى الله عليه وسلم فليس أحد أولى بالتأويل في باطن ما تحتمله تلك الآية من آخر من تأول أيضا.

ومن الباطل المحال أن يكون للآية باطن لا يبينه النبي صلى الله عليه وسلم لأنه كان يكون حينئذ لم يبلغ كما أمر وهذا لا يقوله مسلم، فبطل ما ظنوه. وقد أتت الأحاديث الصحاح بحمل كل كلام على ظاهره كما حدثنا عبد الله بن ربيع التميمي قال: ثنا محمد بن معاوية المرواني عن أحمد بن شعيب النسائي ثنا محمد بن عبد الله بن المبارك ثنا أبو هشام واسمه المغيرة بن سلمة المخزومي بصري ثقة. قال علي: وأنبأناه أيضا عبد الله بن يوسف بن نامي عن أحمد بن فتح عن عبد الوهاب بن عيسى عن أحمد بن محمد عن أحمد بن علي عن مسلم بن الحجاج حدثني زهير بن حرب ثنا يزيد بن هارون قال علي: واللفظ لفظ المغيرة، قال المغيرة ويزيد ثنا الربيع بن مسلم ثنا محمد بن زياد عن أبي هريرة قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فقال: ["إن الله تعالى قد فرض عليكم الحج،] فقام رجل فقال أفي كل عام؟ فسكت عنه حتى أعاده ثلاثا، فقال [لو قلت نعم لوجبت، ولو وجبت ما قمتم بها، ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بالشيء فخذوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه ... "] [16]

رأيي في الحديث:

فضلا عن ضوابط المحدثين، أرى أن ما بينه الزركشي من معان للحديث، وما جاء به السيوطي من بيان، وما ساقه ابن حزم من اعتراض، كل ذلك ينسجم في خيط رفيع الفهم للآية التالية، والتي تشهد بأن بعض نصوص القرآن تحتمل تأويلات كثيرة، وهذا ما دل عليه الحديث.

{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} (آل عمران:7).

معاني الآية:

قال الطبري في تفسير هذه الآية: " يعني بقوله جلَّ ثناؤه: {هُوَ الَّذِي أنْزَلَ عَلَيْكَ الكِتابَ} أن الله الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، {هُوَ الَّذِي أنْزَلَ عَلَيْكَ الكِتابَ} يعني بالكتاب: القرآن. وقد أتينا على البيان فيما مضى عن السبب الذي من أجله سُمّي القرآن كتابا بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.

وأما قوله: {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} فإنه يعني من الكتاب آيات، يعني بالآيات آيات القرآن. وأما المحكمات: فإنهنّ اللواتي قد أحكمن بالبيان والتفصيل، وأثبتت حججهن وأدلتهن على ما جعلن أدلة عليه من حلال وحرام، ووعد ووعيد، وثواب وعقاب، وأمر وزجر، وخبر ومثل، وعظة وعبر، وما أشبه ذلك. ثم وصف جل ثناؤه هؤلاء الآيات المحكمات بأنهنّ هنّ أمّ الكتاب، يعني بذلك أنهنّ أصل الكتاب الذي فيه عماد الدين والفرائض والحدود، وسائر ما بالخلق إليه الحاجة من أمر دينهم، وما كلفوا من الفرائض في عاجلهم وآجلهم. وإنما سماهنّ أم الكتاب، لأنهنّ معظم الكتاب، وموضع مفزع أهله عند الحاجة إليه، وكذلك تفعل العرب، تسمي الجامع معظم الشيء أُمًّا له، فتسمي راية القوم التي تجمعهم في العساكر أمهم، والمدبر معظم أمر القرية والبلدة أمها. وقد بينا ذلك فيما مضى بما أغنى عن إعادته. ووحد أمّ الكتاب، ولم يجمع فيقول: هنّ أمهات الكتاب، وقد قال هنّ لأنه أراد جميع الآيات المحكمات أمّ الكتاب، لا أن كل آية منهنّ أمّ الكتاب، ولو كان معنى ذلك أن كل آية منهنّ أمّ الكتاب، لكان لا شكّ قد قيل: هنّ أمهات الكتاب. ونظير قول الله عزّ وجلّ: {هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ} على التأويل الذي قلنا في توحيد الأم وهي خبر لـ «هُنَّ» قوله تعالى ذكره: {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وأُمَّهُ آيَةً} ولم يقل آيتين، لأن معناه: وجعلنا جميعهما آية؛ إذ كان المعنى واحدا فيما جُعلا فيه " [17]

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير