تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ويقول الجعدي: " فالذين في قلوبهم مرض وزيغ، وانحراف، لسوء قصدهم يتبعون المتشابه منه، فيستدلون به على مقالاتهم الباطلة، وآرائهم الزائفة، طلباً للفتنة، وتحريفاً لكتابه، وتأويلاً له على مشاربهم ومذاهبهم ليضلوا ويضلوا.

وأما أهل العلم الراسخون فيه، الذين وصل العلم واليقين إلى أفئدتهم، فأثمر لهم العمل والمعارف فيعلمون أن القرآن كله من عند الله، وأنه كله حق، محكمه ومتشابهه، وأن الحق لا يتناقض ولا يختلف. فلعلمهم أن المحكمات معناها في غاية الصراحة والبيان يردون إليها المشتبه الذي تحصل فيه الحيرة لناقص العلم وناقص المعرفة، فيردون المتشابه إلى المحكم فيعود كله محكماً، ويقولون:

{آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ} (آل عمران: من الآية7)

للأمور النافعة، والعلوم الصائبة

{إِلَّا أُولُو الْأَلْبَاب}

أي: أهل العقول الرزينة. ففي ه?ذا دليل على أن ه?ذا من علامة أولي الألباب، وأن اتباع المتشابه من أوصاف أهل الآراء السقيمة، والعقول الواهية، والقصود السيئة." [18]

حكم الحديث:

وبهذا يصبح الحديث صحيحا للآية الآنفة الذكر. فالفقه المنهاجي لا ينظر بمنظار يفصل ويفصم بين ما لدى المحدثين والفقهاء؛ وإنما هي رؤية منهاجية واحدة لكل من أدلة التشريع في تكامل، وانسجام. [19]

وبهذا يبقى القول الفصل للسنن الإلهية، فهي التي تشهد بصدق القول أو ببطلانه. فبنورها تسطع الحقائق وتظهر، وبنورها ينكشف زيف الباطل ويفتضح.

ولئن سعى الكاذب لتضليل الناس وليلبس عليهم أمر حديث نبيهم، فقد جعل الله لكل نبأ مستقر، ولا استقرار للكذب إلا بفضح قائله ولو بعد حين. ومن هنا كشف كذب الكاذبين بأنهم لا يؤمنون بآيات الله. -ولنا في كذب إخوة يوسف وامرأة العزيز خير مثال-.

بين دلالة الحديث النبوي ومنع الصحب الكرام المخاصمة بالقرآن

لن يتضح الفرق بين مؤتلف دلالة الحديث ومختلف فهم الصحب، إلا بالتمييز بين دواعي الأخذ بالقرآن بفهم شمولي متمكن من ضوابطه اللغوية وقواعده الأصولية، يميز بين سقيم الفقه وصحيحه.

ولئن تطرقت لدلالة الحديث النبوي بسعة الفهم كما سيق ذلك على لسان أئمة الهدى ومنار السبيل، فإنه لجدير بنا الوقوف مع منع الصحب الكرام المجادلة بالقرآن.

بين مقتضى واجب التعظيم للصحب الكرام

وسبيل الأخذ بتفسيرهم:

يقول الشوكاني: " فإن ما كان من التفسير ثابتا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإن كان المصير إليه متعينا وتقديمه أن الذي صح عنه من ذلك إنما هو تفسير آيات قليلة بالنسبة إلى جميع القرآن ولا يختلف في مثل ذلك من أئمة هذا الشأن اثنان، وأما ما كان منها ثابتا عن الصحابة رضي الله عنهم فإن كان من الألفاظ التي قد نقلها الشرع إلى معنى مغاير للمعنى اللغوي بوجه من الوجوه فهو مقدم على غيره، وإن كان من الألفاظ التي لم ينقلها الشرع فهو كواحد من أهل اللغة الموثوق بعربيتهم، فإذا خالف المشهور المستفيض لم تقم الحجة علينا بتفسيره الذي قاله على مقتضى لغة العرب، فبالأولى تفاسير من بعدهم من التابعين وتابعيهم وسائر الأئمة. وأيضا كثيرا ما يقتصر الصحابي ومن بعده من السلف على وجه واحد مما يقتضيه النظم القرآني باعتبار المعنى اللغوي، ومعلوم أن ذلك لا يستلزم إهمال سائر المعاني التي تفيدها اللغة العربية " [20]

والصحابة الكرام يمنعون الاحتجاج بالقرآن في وجوه خصومهم من المسلمين، لكنهم يبيحون استعمال السنة؛ هل لهم في هذا المنحى صواب يقتدى به؟ وهل هذا النهي يؤخذ على إطلاقه؟ ذلك ما ستعالجه الفقرات اللاحقة، بإذن الله سبحانه وتعالى.

وقد يقول قائل: " أين هذا من الحديث الوارد عَنْ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ: [وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا بَعْدَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَال: [َ أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّهَا ضَلَالَةٌ، فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير