تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

تقودنا الدراسة في هذا المقطع إلى أن المفردات الشعرية لهذا الشاعر هي: الرجل الضرب والمعروف لدى القبيلة والسريع الحركة بالمعارف كرأس الحية المتوقدة، صاحب السيف القاطع المنتقم والقاتل لأعداء القبيلة، والمنيع الذي لا يقُهر ولا يُغلب.

ومن خلال بنية الضمائر نلحظ الشاعر يستعمل الضمير أنا في مخاطبة الضمير أنتم (القبيلة) لوصف ذاته، فهو الرجل الضرب، والسريع في المعارك وقاتل الأعداء والذئب المفترس في ساحات الوغى والسريع الحركة كرأس الحية المتوقدة صيفاً، والفارس الذي لا يهزم في المعارك.

وللتعبيرعن ذاته ومحاربته مع قومه نرى الشاعر يذكر لهم من صفاته القتالية التي يعرفونها فيه.

وبهذا يصبح فهم القصيدة والنص مقاربة لفهم العالم، فهذه الدراسة تحاول الربط بين النقد الأدبي المعاصر بجذوره التاريخية عبر تأصيلها، والخروج من منطق التنظير الى منطق التطبيق

إن حاجتنا لفهم البنيوية والاستفادة من هذه التجربة الخلاقة ضرورة ملحة لدراساتنا الأدبية، لأن البنيوية محاولة جادة لاستيعاب النص الأدبي بشكله المعمق بعيداً عن الارتجالية والمزاجية.

وإذا كان النشاط البنيوي يعني تفكيك وإعادة تركيب موضع ما. من هنا فقد نظر البعض إليه بأنه غير مفيد وغير هام، وهذا غير صحيح. فعبر هذه المنهجية نستطيع توضيحها، ورؤية ما لم نكن نراه في السابق أي معرفة أشياء لم نكن نعرفها.

إن التحليل البنيوي المتميز يسمح حقاً بتحقيق ذلك، خصوصا إذا استعمل هذا المنهج مدرس متخصص واعٍ، يدرك حقيقة الأدب وكنهه، ويرى فيه مدخلا لفهم الحياة، وإيجاد بنية جديدة عميقة، بعيدة عن السطحية والتلفيق الذي يلجأ إليه الدارسون في أغلب دراساتهم الإنسانية والأدبية.

يقول الشاعر إبراهيم طوقان في قصيدة له بعنوان "يا رجال البلاد":

لا تلمني فكم رأيت دموعاً

قد سقى الأرض بائعوها بكاءً

وطني مُبتلى بعصبة دلالين

في ثياب تريك عزاً ولكن

كاذبات ضحكت ممن بكاها

لعنتهم سهولها ورُباها

لا يتقون فيه الله

حشوها الذلُّ والرياءُ سداها (14)

ففي الوقت الذي يمجد به المؤرخون والدارسون زعامة البلاد في تلك الفترة، نرى الدراسة المنهجية لهذا المقطع من هذا النص، تعطينا وصفاً مغايراً. فالمفردات المعجمية لرجال البلاد: هم أصحاب الدموع الكاذبة، والمعلونون من الأرض سهلاً وجبلاً، وعصبة الدلاين، المساومون على بيع الأرض، الذين لا يخشون الله ولا يخافونه والمظهرون العزّة، وداخلهم الذل والرياء.

ففي مثل هذه الدراسة تصبح قراءة النص إعادة خلق للواقع، ومساهمة فاعلة في تشخيصه بعيداً عن الزيف والخنوع والاستسلام.

ومن خلال بنية الضمائر نلحظ الشاعر إنه يستخدم خطاب الأنا مع الضمير أنت، وهو الإنسان الحر الأبي الذي يرفض الضيم والتطبيل والتزمير. واستطاع الشاعر عبر تشكيل الضمير أنا من تصوير هموم الجماعة (الشعب والأمة). إنه الإنسان المقهور الرافض لكل أساليب الكذب والخداع والرضوخ.

كما أن هذه المنهجية تعطي الباحث الأداة المنهجية التي تساعده في الكشف عن الأحداث، وتعددية الظواهر السطحية من بنى فكرية وتنظيم اجتماعي واقتصادي. صحيح بأن هذه المنهجية لا يمكن لها أن تقدم لنا كل شيء. ومن الواضح كذلك أنني لم أر بأن التناول البنيوي للأدب هو التناول الوحيد، غير أنه سيكون مؤسفاً حقاً لو أننا اندفعنا وراء شعارات سهلة، ومفاهيم خاطئة لقذف البنيوية والمناهج المختلفة خارج التاريخ، وعلينا أن نفكر جدياً بدراستها، وماذا يمكن أن تقدم لنا؟

ولقد استفدت من هذه المنهجية في أطروحتي للدكتوراه والتي هي بعنوان الحروب الصليبية من خلال الشعر، في الغترة ما بين 492 هـ - 648 هـ، واعتمدت على الدواوين الشعرية كأساس دراسي، وقمت بتحليلها ودراستها دراسةً داخليةً منهجيةً، وتتبعت فيها الظواهر الشعرية من خلال هذه الدراسة، مقارناً ذلك مع المصادر الأدبية والتاريخية في تلك المرحلة (15).

وقمت منذ أكثر من عشر سنين بتطبيق هذا المنهج في تدريسي لطلابي في الجامعة، إضافة لإعدادي أبحاثاً علمية متفرقة ستنشر قريباً.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير