تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إنها رسم للحرية ولهذا يستخدم الشاعر مفردات سياسية واضحة: الأسوار الحصينة والحراس كلاب وجنود، والفقدان لكل من يقترب منها، أنها مفردات الخوف والاذلال واليأس والحرمان، الذي يعيشه الشاعر وكل الأحرار.

وتصبح صورة للصراع بين الإنسان الثائر، وبين السلطان الجائر، بين الإنسان المقهور والمطالب لحريته ووجوده، وبين المتسلطين على الرقاب المانعين للنهوض والكرامة، إنهّ صراع بين عالمين: عالم الأحرار وعالم العبيد، والخير والشر.

ومع كل هذا الحب المستحيل بين الشاعر والمرأة دراسة سطحية، وبين الشاعر والسياسة والحرية دراسة معمقة، يُصرّ الشاعر على السير والابحار والسفر والترحال والحروب والقتال، حتى الوصول إلى المبتغى، مع علمه بشدة المعاناة والمصير.

ونقف مع الشاعر محمود درويش في ديوانه "أحد عشر كوكباً" وفي قصيدته من أنا ... بعد ليل الغريبة الذي يقول فيها:

كنت أمشي إلى الذات في الآخرين، وها أنذا

أخسرُ الذات والآخرين، حصاني على ساحل الأطلس اختفى

وحصاني على ساحل المتوسط يُغمد رُمح الصليبيّ فيَّ

من أنا .... بعد ليل الغريبة؟ (24)

الشاعر محمود درويش يجعل من نفسه السائل والمجيب، فمفردات المرحلة كما تظهر عند الشاعر: خسارة الذات والآخرين، وحصان الأطلسي اختفى، وحصان المتوسط هو الرمح القاتل، والذي يغمده الاعداء فينا. فقوة العرب أصبحت السيف الذي يقتل به العرب أنفسهم. إنّه وصف للمرحلة العربية المتردية.

وهكذا يصبح الضمير أنا مجسداً لواقع نحن الجماعية، واقع الأنا المهزومة والمقهورة، واقع الانحسار والاحباط بعد ليل الغريبة "مؤتمر مدريد للسلام. عام 1991"، ويظهر ذلك جلياً في كل قصائد ديوان "أحد عشر كوكباً". من ذلك قصيدة بعنوان الكمنجات:

الكمنجان تبكي مع الغجر الذاهبين إلى الأندلس

الكمنجات تبكي على العرب الخارجين إلى الأندلس

الكمنجات تبكي على زمن ضائع لا يعود

الكمنجات تبكي على وطن ضائع قد يعود (25)

يصبح العرب في نظر الشاعر في هذا المقطع أجساماً محنطة، ومجموعة من الغجر الذاهبين إلى الأندلس، نقيض العرب الفاتحين. إنه زمن الخسران والسقوط والانهزام، وزمن النذالة والضياع، ضياع الإنسان والأرض.

وفي ذلك يقول الدكتور محمد حماسة عبد اللطيف:

"والغاية من التحليل النصي محاولة فهم النص وتفسيره من خلال مكوناته، عبر الدخول إلى عالم النص، وإضاءتها وكشف أسرارها اللغوية، وتفسير نظام بنائها، وطريقة ترتيبها، وإدراك العلاقات فيها، وبيان الوجوه الممكنة للنص. بعيداً عن رؤية الأشياء التي ليس لها سند في النص وبعيداً عن الاحلام، وبعيداً عن شرح المفردات، وتحويل البيت من الشعر إلى النثر (26) ".

وهكذا فإنه لا يستطيع أحد أن يدرس نصاً من غير أن يرجع إلى نسق داخلي، والقواعد التي أنتجتها، وعملت على بنائها، وهنا تأتي أهمية البحث عن البنية بالنسبة إلى الدارس والباحث.

"لقد قاد العمل السيميائي النص إلى أن يتساوى مع البحث ليس اعتباره موضوعاً حسابياً ولكنه حقلاً منهجياً تتابع فيه العبارة والتعبير، سواءً أكان حديثاً بشكل مطلق أو من الأعمال القديمة (27) ".

ولا ريب أن من الدوافع التي دعت إلى تعاظم الاهتمام بالسيمياء، " تشعب الموضوعات التي يتناولها هذا العلم مثل: علامات الحيوانات والموسيقى واللغات، وقواعد الكتابة والايدلوجيات. إن الاقبال على السيمياء هو نتيجة حاجة الفروع المذكورة لأدوات قادرة على وصفٍ وتفسيرٍ يتمتعان بدرجة رفيعة من الدقة" (27).

وسيمولوجية الأدب تنطلق "من اعتبار العمل الأدبي نتاجاً رمزياً معقد التركيب له وجوده الصلب والمتميز، مما لا يسيغ لمؤرخ الأدب أن يلحقه بالتاريخ ولا لعالم الاجتماع بالمجتمع، ولا لعالم النفس بعلم النفس، ولا للعالم النفساني بالتحليل، ولا لعالم اللغة بالألسنية….للنتاج الأدبي صلة أكيدة بكل من هذه العلوم"، كما أن العمل الأدبي مركب تركيباً مزجياً متعدد المستويات والدلالات والأبعاد" (29).

ويلحظ الدارس أن هناك تنوعاً في مصطلح السيمولوجيه من مثل: السيمولوجيا والسيمياء والسيميائية وهذا التنوع يعود إلى أن هذا المصطلح جديد، ولم يستقر الباحثون على تسمية واحدة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير