ولكن دراسة الأدب بعيداً عن المنهجية جعل الدراسات الأدبية خاصة والإنسانية عامة مجالاً للتأليف غير المنظم والشرح البسيط، وجعل من حركة القارئ أداة تلقين بعيداً عن التحليل المبدع.
ويرى انطوان طعمه بأن سيمولوجيا "الأدب تعتبر نفسها علماً "فذلك يعني أنها ترفض ما تنطبع الدراسة الأدبية من تقريبية وتجريبية واعتباطية في إلقاء الأحكام التقويمية" (30).
إن دراسة النص الأدبي أو ما يطلق عليه المدونة المغلقة لا يعني وضع حاجز بين التأريخ الأدبي والدراسة النصيه، بل يعني انه لا بد أن يعرف كل منهما دوره في عملية استيعاب وتحليل
النص الأدبي، لكن لا يجب أن نجعل من الدرس الأدبي عبارة عن تعريف سطحي للتأريخ الأدبي من حياة المؤلف، وبيئته وأحواله الاجتماعية والسياسية والثقافية التي عاشها فهذا يعني العيش خارج العمل الأدبي.
"لقد وقفت النزعة البنيوية في الأدب في وجه هيمنة الدراسة التاريخية فقط، ودعت إلى تحليل النص الأدبي انطلاقاً من شبكة العلاقات التي يقوم عليها داخلياً. وحرمت على الباحث اللجوء إلى أية أنوار خارجة عن النص لا تحتاجها الدراسة. ويجب الاعتراف للنزعة البنيوية بالفضل في كبح جموح الدراسة التاريخية وفي نقل مركز الثقل في دراسة الأدب إلى داخل النصوص بدلاً من إبقائها في دائرة الظروف المحيطة به " (31).
وفي ذلك يقول أنطوان طعمه:"بإمكان الدارس أن يعرف الكثير الكثير من التفاصيل التأريخية، ولكن المنهج السليم يحرم عليه استعمال أي تفاصيل لا تكون الدراسة الداخلية بحاجة إليه، فالمعرفة التاريخية ليست سوى خادمة للنص. وهكذا نرى أن العلاقة بين الدراسة الداخلية والدراسة الخارجية ليست بالضرورة علاقة تعارض، إذا عرف كل منهما دوره في تحليل الأدب اصبح التكامل بينهما ممكناً وضرورياً " (32)
* اعتماد التحليل الشفوي
في أثناء التحاقي بالسنة التمهيدية للدكتوراة، وحضوري محاضراتها لفت انتباهي أستاذ النقد الأدبي وهو يقوم بنفسه بقراءة النص قراءة جهرية، مستعيناً بنبرات صوته، معبراً عن قراءة واعية للنص الأدبي، بعدها بدأ يدير حواراً مع الطلاب جاعلاً من القارئ محوراً مهماً في العملية القرائية بأسلوب منهجي. عند ذلك أدركت منهجاً جديداً في دراسة الأدب طرفه الأساسي القارئ يجري محاورة بينه وبين النص.
إن قراءة النص بصوت عال تعطيه إضاءات كثيرة ومتنوعة، إضافة إلى ذلك أدركت أن الأستاذ الجامعي هو الموجه الأساسي في إعادة الحياة إلى الأدب عبر المنهجية الدراسية السليمة، قادني ذلك إلى مناصرة القراءة المنهجية بصوت عالٍ للنصوص الأدبية كوسيلة لتحليلها وتذوقها، منذ ذلك الحين بدأت تطبيق هذا المنهج على طلابي في جامعة النجاح الوطنية وغيرها.
ومن الاعتبارات المهمة التي قادتني إلى مناصرة التحليل الشفوي للنصوص الأدبية (33):
1 - ان التحليل الشفوي يمنح النصوص حياة، يعيد إليها نضارة وإحياءً للأعمال القديمة، ويضعها في أرضية جامعة تجعلها في وضع أفضل من تقليد الخصوصية المتمثلة في همس المؤلف في أذن القارئ مباشرة. فالأداء يتطلب خلق صوت بارز آخر هو صوت النص ذاته.
2 - إنّ هذا النوع من الاهتمام العملي بالكلمات كمادة تفرض نفسها بالقراءة المرتفعة إنما تشكل ضمانة ضد الاغتصاب الذي يتسم به الكثير من النقد المعاصر. بهذه الطريقة فإن المتكلم لا يمكن أن يظل شبحاً او دوراً مزعوماً خارج إطار المسرح، إنه يدخل ويدلي بنصه أمامنا لكي نسمع ونستجيب.
3 - كذلك فإنّ التحليل الشفوي يجبرنا على التعامل مع الأعمال الأدبية وفقاً للتسلسل الإنساني الزمني بكل ما فيه من جوانب دقيقة هاربة ومتجددة. وذلك قبل ان يتم تحول النص إلى بنية أحادية الزمن خارج الزمان مصنفة في بيان تخطيطي. فحضور الأداء، حتى على نحو غير رسمي، لجميع عناصر التعامل الاتصالي (المرسل، الرسالة، المتلقي) إنما تثبط محاولة التركيز المبكرة على واحد منها كموضوع للنقد. فالتحليل الشفوي قادر على أقل تقدير على تأجيل عملية مصادرة النص من قبل المنهج أو النظرية أو فرع المعرفة. فالقراءة الأدائية تؤكد على وجود العمل الأدبي في المجال الحقيقي للأدب.
¥