فلماذا لا نعتبر الصوت مظهراً من مظاهر حياتنا و يتطلب التدريب ضمن إطار العملية التعلمية، ليس على نحو منفصل كالخطبة والموعظة، وإنما كجزء لا يتجزأ من دراسة الأدب المحلل شفوياً؟
وهذا لا يعني إغفال القراءة الصامتة للأدب، بل لا بد من أن يكون للأدب الشفوي دور مهم في عملية التحليل الإبداعي عبر حضور القارئ المبدع.
لقد جاءت هذه المنهجية لدراسة النص الأدبي لتضع حداً للمزاجية والتنويع والتجزئة التي مورست علينا ولا زالت مما جعل نظرة الكثير للأدب نظرة سطحية ويؤكد لنا خبراء العلاقات الدولية "بأن سوء الإدراك وسوء الفهم يهدد بنسف فهم العالم، ويؤدي إلى اضطرابه وخلخلته نتيجة سوء الفهم وسوء التفسير، ونحن نملك خبرة مباشرة في سوء التفسير، فلو لم يكن هناك شيء يشبه سوء التفسير، فكيف يمكن لأي منا أن يتبع خارطة طريق على نحو غير صحيح أو أن يقود سيارة في الطريق المعاكس بشارع ذي اتجاه واحد". (34)
إن قراءة النص قراءة منهجية يعني أن يصبح القارئ قادراً على فهم دواخل النصوص لأن عملية القراءة الإبداعية لا تكمن في وجود نص مبدع والكاتب المبدع فقط بل لا بد من وجود القارئ المبدع وهو الركن الثالث من العملية الإبداعية، ونعني بذلك الكاتب والنص والقارئ الذي لا بد له من أن يمتلك منهج القراءة الإبداعية حتى يصبح جزءاً مهماً في العملية الإبداعية.
وفي ذلك تقول يمنى العيد في كتابها في معرفة النص: "كيف يصير القارئ كل قارئ ناقداً لما يقرأ؟ وكيف يصبح القارئ قادراً على كشف دواخل النصوص؟، ثم تقول أن تصير القراءة نقداً معناه، أن لا يبقى القراء على هامش ما يقرأون معناه أن يكون للقارئ حضور في الثقافة، ثقافة المجتمع الذي يعيش" (35).
إضافة إلى ما ذكرت، ترى هذه المنهجية "أن النص الأدبي سواء أكان شعراً أم مقالة أم قصة، أم أي شكل أدبي آخر يخضع لاعتبارات متباينة، يقوم على دراسة النص الأدبي على أنه سلسلة من الترابطات والأدلة المركبة، وهذه الأدلة المركبة تكون خاضعة لبنية عامة متجانسة وعلى هذا فإن النص الإبداعي،" مجموعة من جمل مترابطة وفق تركيب يوفر لها التآلف، ويعطيها صفة التلاحم بين الأجزاء التي قد تتراءى، عند النظرة الأولى، شتاتاً يصعب أن تستوعبه وحدة باطنية متحكمة في العلاقات بين هذا الشتات" (36)
ولكن القراءة المستنيرة باستيعاب شروط النص الإبداعي، لا تفارق الواقع الكلي للنص، كوحدة لكل التناقضات المترتبة عن الربط بين ما لا يمكن استحكام علاقة بين فصائله في اللغة اليومية، ومن ثم ننظر إلى النص الأدبي كجملة طويلة متجانسة.
إن هذه المنهجية – كما أسلفنا – لا تقوم على تفتيت النص الأدبي من خلال دراسة سطحية تقوم على شرح الأبيات ومفرداتها وإعطاء أحكام أقرب ما تكون لقرارات حكم المحكمة الأهلية، من استعمال كلمات: الخيال، والأسلوب، والأفكار الجزئية، وقصد الشاعر…وغيرها، وإنما هذه الدراسة تنظر إلى النص الأدبي كوحدة لكل المتناقضات والمستويات المتوفرة في هذا النص أو ذاك.
والدراسة المنهجية هي الدراسة التي تتلخص في الاعتماد على النص الذي نريد أن نجعل منه مجالاً للدراسة والتحليل، وذلك من خلال دراسة المستويات اللغوية والدلالية وتوظيفها خدمة للنص.
"فالباحث يجب أن يعطي الاعتبار الكامل للنص، لأن النص هو الأساس وهو المقصود في مجال الدراسة، وهذه الملاحظة كثيراً ما غابت عن أذهان بعض الباحثين، حيث يوظفون النص في أغراض لا علاقة لها بالنص كإبداع وممارسة لغوية لها استقلالها وتميزها الخاصان". (37)
وهذه الدراسة تقوم على أن النص الأدبي مجموعة من الأبعاد والمستويات والتفاعلات اللغوية والدلالية، وأن الخروج عن النص من أجل عدم القدرة على الربط والفهم والتذوق والتحليل، قد جعل إشكالية التعبير الأدبي منوطاً بالقارئ لا بالنص، لهذا فإن النقد الأدبي يجب أن يبنى على إيجاد الجدلية بين القارئ والنص لا من خلال ما يريده القارئ بل من خلال ما يريد النص أن يعلن عنه، وما القارئ والمتذوق إلا ذلك الكيميائي الحاذق الذي يجعل من هذه المواد المتفاعلة والعناصر المتداخلة أشكالاً مادية لا يستطيع أن يجد أبعادها إلا من خلال التفاعل والتداخل، والعلاقات وكذا عناصر النص وأبعاده التي تحتويها عناصر اللغة، ودلالة السياق. غير أن هذه الدراسة المنهجية لا تعني
¥