الفصل بين عالم النص والعالم المحيط به.
وإنما نعني بهذه الدراسة المنهجية، التركيز على النص، أما حياة الأديب وبيئته و العالم المحيط حول النص فهو يساهم في تضافر فهم النص من خلال الأبعاد والمستويات المختلفة، كما أن الدراسة المنهجية "لا تعني أن دراسة النصوص الأدبية تقوم بعيداً عن التاريخ والمجتمع المحيط بالأدب، لكن أن نجعل من دراسة النص الأدبي تصويراً فوتوغرافياً للواقع التاريخي والاجتماعي. والسياسي كما صوره ولا زال يصوره كثير من الأدباء والدارسين، فهذا يهدم أركان النص الأدبي الذي يتميز بأنه عالم السياق والصور التي بناها الأديب لا ما نريد ان نبنيه نحن". (38)
إن هذا النوع من الدراسة الأدبية واقصد بها "الدراسة المنهجية" تجعلنا نتذوق الأدب العربي ونحس به ليس من خلال التلقين، بل من خلال الدراسة التحليلية.
لقد بقي الدرسان النحوي والأدبي يعتمدان على الجملة اللغوية والبيت الشعري، حتى بدأت المناهج اللغوية الحديثة في اعتماد النص كأساس دراسي من نظريات تشومسكي دي سوسر وغيرهما. ولقد بدأ بعض الدارسين العرب يبحثون عن أسلوب ومناهج دراسية تعيد للأدب حياته وللثقافة دورها.
فلم يعد تحليل العمل الأدبي متروكاً للارتجال والتذوق المزاجي، والانطباعية التي لا رقيب عليها. "فدراسة الأدب دراسة جدّية تتطلب اختصاصاً، والاختصاص يتطلب عدة منهجية. ولنعترف بصدق أن مدارسنا وجامعاتنا لم تثبت حتى الآن أن همّها الأول هو تدريب الطالب على التحليل المنهجي وتطوير حسه النقدي" (39).
فالمحاضرة الجاهزة وأسلوب التلقين، والكتاب الجاهز قد غيب القارئ فجعل منه أداة استماع وتخزين فقط، على الرغم من وجود جهود مخلصة بدأت تتردد هنا وهناك، ولكنها لم تصل حتى الآن لتشكيل مدرسة منهجية في تحليل العمل الأدبي، في المدارس والجامعات العربية.
ومن الأسس المقترحة لتحليل النص الأدبي أن يطلب المعلم من التلاميذ قراءة النص قراءة صامتة ثم يطرح أسئلة إستنتاجية يتعرف من خلالها على فهم الطلاب لمجمل النص، وبعد القراءة الصامتة للنص، يطرح المعلم بعدها أسئلة استنتاجية ليتعرف من خلالها إلى مقدار فهم الطلاب لمجمل النص، ثم يقوم هو أو أحد من الطلاب بقراءة النص قراءة جهرية متأنية وفاحصة، مع الإبقاء على النص حاضراً أمامهم. بعدها يقوم المعلم بمحاورة الطلاب حول النص من خلال الأبعاد والمستويات المختلفة.
المستوى الانطباعي:
وهو يهتم بالتعرف إلى حركة النص عبر إضاءة الهيكلية العامة له، من خلال العلاقة بين العنوان الرئيسي والنص، ومحاولة تقسيم النص إلى فقرات، والعلاقات بين العنوان الرئيسي وعنوان المجموعة الأدبية.
المستوى النحوي:
وهو يهتم بالتعرف إلى النص من خلال الاستخدام النحوي لبنية الأفعال وأثرها في النص. وكيف تساهم حركة الفعل في فهم النص. وكذا أدوات الاستفهام وحركة بناء الجمل والدور الذي تلعبه في التعرف إلى النص.
المستوى المعجمي:
ويهتم بمحاولة معرفة المفردات المعجمية التي تتحرك في النص، وذلك من خلال تكرار المفردات المهمة والمتكررة التي يحاول المبدع التركيز عليها، فإن مجمل هذه المفردات المعجمية تعطينا تصوراً مهماً لحركة النص، والإضاءات التي يحاول الكاتب تسليطها وتعريفها.
بنية الضمائر:
إذا كانت الضمائر عنصراً من عناصر النص، فإن التعرف إليها ليس باعتبارها بنية سطحية فقط، بل كونها بنية عميقة، تعطي تصوراً مهماً لفهم النص، كما أن حركة الضمائر ليست أداة خارجية، بل مستوى دراسياً مهماً في فهم النص، وأن التعرف إلى العلاقات بين تلك الضمائر تعطينا بعداً آخر من أبعاد القراءة الإبداعية.
الزمان والمكان:
يلعب الزمان والمكان دوراً مهماً في حركة النص، فلا يمكن فهم النص دون التعرف إليهما في النص إن كانا موجودين فيه. كما أن الأمكنة المستعملة في النص تعطي دوراً فاعلاً في عملية الفهم والقراءة.
وجهة نظر الكاتب:
لا بد للقارئ من إدراك أسلوب المعالجة من قبل الكاتب لحركة النص، فإن لكل كاتب وجهة وأيديولوجية، قد تكون موافقة أو مختلفة مع القارئ.
فالقارئ ليس أداة تخزين وتلقين، وليس بالضرورة أن يعكس النص وجهة نظر القارئ.
*الخاتمة:
¥