هذا يجعلنا ننتبه أنّ للتاء المربوطة وظيفة عضوية في القرءان كآية و ليست علامة للجنس و أنّ الوظيفة بنيوية كما يظهر في كل لفظ في القرءان أي أنّ الحرف هنا في هذا المكان في اللفظ لوظيفة محددة معينة و ليس هناك شيء إسمه قواعد صرفية و نحوية و إن كان هذا هو الظاهر. و لو كانت التاء المربوطة علامة للتأنيث لورد لفظ "زوجة" في القرءان خاصة و أنّ الكهنوت يقول أنّ خطاب القرءان ذكوري و غياب هذا اللفظ في هذه القضية إشكال كبير. كيف يُعقل أن يكون القرءان ذكوري و لا يُقسم العائلة إلى "زوج" يملك القوامة و "زوجة" تملك الطاعة و الإذعان، يظهر أنّ النساخ أغفلوا التاء المربوطة في أياة عدّة في القرءان و الأمر خطير بمكان يحتاج منّاإلى إضافتها.
3 ـ من الأسماء ما يحتمل التذكير و التأنيث:
و هي قاعدة خطيرة جدّا إذ أريد منها التحايل على أبجديات الفكر. فالألفاظ إمّا مؤنثة أو مذكرّة أو لا جنس فيها. و إذا كان القرءان كتاب مرحلي تاريخي فهو يتبع لغة محيطه و لا يمكنه إيراد اللفظ مؤنثا و مذكرا في نفس الصحيفة كما أنّني لا يمكنني في كتاباتي كلّها أن أجعل من لفظ "بحث" مذكر و مؤنث في نفس الوقت. فإيراد القرءان لتأنيث لفظ و تذكيره في نفس صحيفته يحتمل أمورا علينا الوقوف طويلا لبحثها:
إمّا أنّ القرءان محيط بمعجم لغة محيطه منذ نشأة الألفاظ فيه و هو يواكب تغير الألفاظ في مراحل تاريخية متباعدة إذ يمكن أن يكون اللاجنس مرحلة متقدمة في التاريخ الإنساني و في لغته و تسميته للأشياء و أعقبته مرحلة تصنيف الأشياء إلى مذكر و مؤنث و حينها فكاتب القرءان يعي كل هاته الملابسات التاريخية في نشوء الألفاظ في قوم النبي و حينها فقد دخلنا في فرضية مستحيلة الدراسة إلاّ بدراسة تاريخ نشوء لغة قوم النبي و طريقة تصنيفهم التاريخي للتذكير و التأنيث و دوافعه السياسية و الإجتماعية و السؤال يبقى مطروحا و هو أنّ صائغ القرءان لا يحدث قوم النبي خاصة بإيراده لكل هذه التفاصيل بقدر ما يسعى إلى عمل موسوعي وصراحة لا نجد في القرءان هذا البعد.
و هناك إحتمال ثاني و هو أنّ القرءان صيغ بلهجات متعددة بعضها يؤثر تأنيث لفظ و بعضها يؤثر تذكيره و كل له قواعده الخاصة في التأنيث و التذكير و هذا الإحتمال يجعل من كاتب القرءان ملّما بكل تفاصيل هذه الإختلافات في اللهجات و ملّما بتفاصيل قواعد بناءها إن كان لها قواعد أو على الأقل قواعدها القياسية و حينها فسيقع حتما في الملام إذ اللغة غالبا ما تحمل ألفاظ السماع ممّا لا يخضع للقياس الإطرادي، و مع هذا فالزعم أنّ النبي الكريم هو من كتب القرءان يبطل سريعا بهذه الملاحظة و نصيحيتي للمشككين في علّو القرءان أن يقولوا أنّ من كتبه مجموعة كتّاب متناثرين في الزمان و المكان.
و أمّا الإحتمال الأخر هو أنّ لغة القرءان خاصة و بنيته خاصة و أنّ قواعد التأنيث و التذكير أنشأها البشر في محاولتهم المقاربة بينه و بين كلام البشر معتقدين أنّ القرءان من نفس جنس كلام شعرائهم. و حينها فنحن لسنا ملزمين في إعتماد قواعدهم و إعتبارها مجرد إجتهاد لمقاربة الفهم. و حتّى لا يبقى الكلام نظريا سأسوق الأن أمثلة كثيرة من القرءان ليرى القارئ أن اللغويين تعاموا إراديا عن دراستها و إن أوردوها و اطمأنوا إلى قواعدهم و بدل بذل الجهد ركنوا إلى التبرير بوجود الشذوذ أو بإختلاف لهجات الجزيرة أو غيرها من التبريرات التي يحسنها البشر للتملص من الدليل الموضوعي:
"لقد جاءت رسل ربّنا بالحق" الأعراف:43
"لقد جاءكم رسل من قبلي بالبيّنات" أل عمران:183
"لقد جاءتهم رسلنا بالبيّنات" المائدة:32
فحسب قواعد اللغة فالرسل ذكرت مرّة و أنثت أخرى إذ لفظ "جاءت" حسب القواعد يراد به التأنيث و لفظ "جاءهم" يراد به التذكير و مع أنّهم يقولون أنّ جمع التكسير يجوز دخول فعل التأنيث عليه إلاّ أنها قاعدة غابت فيها العلمانية في هذا المثال. و نفس المثال نجده في البلاغات التالية:
"فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البيّنات" البقرة:209
"وجاءهم البينّات" أل عمران:86
"كذّبت قوم نوح" الشعراء:105
"كذبّ به قومك" الأنعام:66
"و فريقا حقّ عليه الضلالة" الأعراف:30
"و منهم من حقّت عليه الضلالة" النحل:36
¥