هل قائل هذا الهراء مصدّق أنّ كلام الله محكم، أترك الحكم للقارئ. و كالعادة يعود أذكياء الأسلاف لإيجاد تبرير أكثر قبولا فيقولون أنّ المؤنث المعنوي "رحمة" يجوز تذكير صفته "قريب" أو تأنيثها "قريبة" و استشهدوا بقول امرئ القيس:
"له الويل إن أمسى و لا أم سالم قريب"
أرأيتم يا جماعة، لولا هذاالبيت الشعري لكانت أية القرءان باطل في باطل و حمدا لله أن أنقذ امرئ القيس القرءان من الزلل، حمدا لله.
فهؤلاء المساكين جعلوا القرءان تابعا لبنية الألفاظ في مجتمعهم فمتى شاءوا غيّروا هم القواعد لينهدم القرءان. و لو انتبه هؤلاء لرأو أنّ رحمت الله لا يمكنها أن تكون قريبة و هي لم تأت بعد. فالذي يوّلد الرحمة في هذه الأية هو الإحسان.
5 ـ "الجمع اسم ناب عن ثلاثة فأكثر، بزيادة في آخره "كاتبين، كافرون، منافقات" أو بتغيير في بناءه "رجال، علماء" و هو قسمان:سالم و مكسر.
و الجمع السالم ما سلم بناء مفرده عند الجمع، و إنّما يُزاد في آخره واو و نون "ـون"، أو ياء و نون "ـين" مثل "عالمون؛ عالمين" وهو بهذا جمع مذكر سالم، أو ألف و تاء "ـات" مثل "منافقات" و هو بهذا جمع مؤنث سالم" هذه هي قاعدة الجموع في اللغة الجزيرية.
و تبدأ حملة قواعد الشذوذ في الدخول للحفاظ على القاعدة أعلاه فمثلا:
يُجمع ما ختم بتاء مربوطة من الأسماء المؤنثة جمعا مؤنثا سالما بإستثناء:
" امرأة، أمة، ملّة، أمّة" و جمعها "نساء، إماء، أمم"
ـ جمع صلواة و زكواة هي "صلوات" إلاّ الحيواة فهي "حيوان".
و الذي يضعنا أمام البنية القرءانية وجها لوجه هو المثنى فهو يكشف البنية إذ دخول " ـان" و "ـيْن" على لفظ تجعل مفرده مثنّى مشابها لنهاية الجمع "ون" و "ـين" في حملهما للنون في آخرهما وهذا يجعلنا نرى النون هيروغليفيا النون تصور الوعاء الحاوي بشدة إنغلاقه على محتواه و إستقبال الداخل فيه و إدخاله في قاعه دون السماح له بالخروج فالنون تحمل مفهوم الإحتواء و تجعلنا نرى هيروغليفيا التاء تشير إلى رحم مبسوطة وصلت إلى حالة الإنعتاق فهي تحمل مفهوم إرهاص الولادة و كمونها.
و يفتح ما أسموه بـ "جمع التكسير" نافذة أخرى في معرفة البنية إذ يرد في القرءان هذا الجمع مشتركا في الجذر مع "الجمع السالم":
كفّار ـ كافرين ـ كوافر ـ كفرة
نبيين ـ أنبياء
سُجّد ـ ساجدون
راكعون ـ ركّع
سنبلات ـ سنابل
غرفات ـ غرف
ساحرون ـ سحرة
عيون ـ أعين
ميتون ـ موتى
وارثون ـ ورثة
قاعدون ـ قواعد
بقرات ـ بقر
قليلون ـ أقلة
و يعتمد اللغويون لتفسير هذا التعدد في نفس الجمع بالتفريق بين جمع القلّة و جمع الكثرة معتبرين مثلا أنّ جمع القلة يأتي على وزن:
أَفعُل؛ أفعال؛أفعلة؛فِعلة
و يؤكد اللغويون أنّ وزن "فِعلة" مبني أساسا على السماع و لا قياس فيه للتعبير منه على جمع القلة و لأنّه لا قياس فيه و لا إطراد قالوا إنّه إسم جمع لا جمع.
و جمع الكثرة عندهم على وزن:
فُعْل؛ فُعُل؛ فُعَل؛ فِعَل؛ فُعَلة؛ فَعَلَة؛ فَعْلى؛ فِعَلَة؛ فُعَّل؛ فُعّال؛ فِعال؛ فُعُول؛ فِعْلان؛ فُعْلان؛ فُعَلاء؛ أفعلاء
وهذه القاعدة بطبيعة الحال ليست علمانية و تفتقد الإرتكاز الدلالي لتوضيح السبب و قد ذهب بعضهم أنّ نقص الألفاظ يعني نقص المعاني و لن أستطع للأسف الإستفاضة و أشير فقط أنّ الإنطلاق من الأوزان بداية للدخول في معرفة البنية القرءانية طريق مسدود. و لمّا كان القرءان هو تنزيل الكتاب فغياب لفظ فيه هو غياب هذا اللفظ دلاليا و كونيا أي بتعبير بسيط غيابه لفظا في القرءان هو غيابه كلّيا عن الوجود و لم تُدرس هذه النقطة بالذات أبدا و لم يُستفد منها في معرفة بنية الألفاظ القرءان اللفظية و تحديد مفاهيمها و لم نفهم بعد مثلا سبب غياب لفظ "عالمات" و لفظ "كافرات" في القرءان. و لم نفهم بعد سبب ورود بعض الألفاظ في القرءان جمعا فقط لا مفرد فيها حسب قواعد الأسلاف مثل:
نحل ـ نخيل ـ أعناق
و ألفاظ أخرى وردت مفردا فقط دون جمع حسب قواعد الأسلاف مثل:
حيران ـ نصيب
كل هذه الملاحظات تؤكد على وجود البنية في القرءان و أنّ القواعد فيه معدومة إن أخذنا القواعد بدليل الأسلاف عليها، فالبنية محيط مفتوح لبناء قواعد تصاعدية و هي علمانية بطبيعتها و ليست قواعد ثابتة تتجاهل الشذوذ.
¥