و من يقرأ يستغرب حجم قواعد الأسلاف اللغوية و تعقيدها وصعوبة حفظها و البناء عليها و هي بلا شك لا تعلّم أحدا لغة و لا تقدمه خطوة واحدة لمعرفة أسباب هذه التقاسيم و لذلك أصبحت اللغة و علومها كهنوتا لا يدخلها إلاّ من حفظ كل هذه القواعد على ظهر قلب و ضاع تفكيره في إجترار التفاصيل دون معرفة السبب. و هذه القواعد مستحيلة لمن يريد معرفة لغة معينة.
غياب العلمانية و الإطراد في هذه القواعد جعلها تصنف الشواذ الخارج عن هذه القواعد و هي بذلك اعترفت على أنّها ليست قواعدا بنيوية بل هي قواعد جزئية لا تصل إلى تفسير الظاهرة إنطلاقا من الحرف.
و لو لاحظنا غياب البنية في ما أسموه بإسم الجمع أي ما تضمنّ معنى الجمع غير أن لا واحد له من لفظه و إنّما واحده من معناه لفهمنا أهمية البنية و السان العربي في القرءان، فعللى سبيل المثال فحسب القواعد اللغوية فإنّ:
شعب،قوم:واحدها امرأة و مرء
نساء: واحدها امرأة
خيل:واحدها فرس
إبل:واحدها جمل أو ناقة
غنم، ضأن:واحدها شاة
و كل هذه الدلالات التي قدّمها اللغويون خاطئة بطبيعة الحال فلا امرأة مفرد نساء و لا ناقة مفرد إبل و لا الشاة مفرد غنم و لا المرء مفرد شعب أو قوم، فإختلاف الجذر يدل على إختلاف المفهوم في القرءان. هذا المثال يوّضح كيف أنّ غياب اللسان العربي عن فكر الأسلاف قادهم إلى إهمال الجذر من الحرف إلى الإهتمام بالأوزان.
فجعل "قوم" إسم جمع دليله عندهم أنّه يجمع على أقوام فلا يصح إعتباره جمع مع أنّ لفظ "أقوام" لم يرد في القرءان و لا ورد لفظ "شعب" و لا ورد لفظ "قبيلة" و لكن إهتمامهم بالقياس دفعهم لجعل ما ليس في القرءان منه و هو خطأ كبير فما ليس في القرءان غير موجود كونيا و عدم ورود بعض الألفاظ إشارة لنا لتحديد مفهوم الجذر و للأسف لم ينتبه الأسلاف لهذا.
و لنعد الأن لموضوع التأنيث فجمع المؤنث السالم يحتاج منّا لملاحظات مهمة تتعلق به:
ورود الثنائيات "مسلمين مسلمات" "مؤمنين ومؤمنات" في القرءان في نفس الأية يمنع أن يكون جمع المذكر طاغيا على جمع المؤنث أو ما يسمونه بقاعدة التغليب إذ لو كان الأمر كذلك لما وردت هاته العبارات في البلاغ القرءاني بهذه الصيغة:
"إنّ المسلمين و المسلمات و المؤمنين و المؤمنات و القانتين و القانتات و الصّادقين و الصادقات و الصّابرين و الصّابرات و الخاشعين و الخاشعات و المتصّدقين و المتصدقّات و الصآئمين و الصآئمات و الحافظين فروجهم و الحافظات و الذّاكرين الله كثيرا و الذّاكرين أعدّ الله لهم مغفرة و أجرا عظيما"
الأحزاب:35
لا شك أنّ اللغويين الأسلاف ليتفادوا المشاكل قالوا أنّ هذه للتأكيد على أنّ الذكر و الأنثى مقصودين في الأية و بهذا فقد قرروا أنّ في القرءان حشو عبارات و أكثرهم وعيا قال أنّ الإناث لا يدخلن في الخطاب القرءاني إلاّ بدليل منفصل كما في ءايات الأحزاب!!!!
و سأنقل هنا تعبير ابن تيمية الحرّاني بعد أن ساق أقوال المختلفين في دخول الأنثى في الخطاب القرءاني من عدمه قال:
"ثمّ لا خلاف بين الفريقين أنّ آيات الأحكام و الوعد و الوعيد التي في القرءان تشمل الفريقين (الذكر و الأنثى) و إن كانت بصيغة المذكر"
و نرى هنا بداية الإعتراف بحق الأنثى أن تخاطبها السماء كما تخاطب الذكر و إن كانت النافذة المفتوحة لا تترك الضوء يمر.
و الأية لا تقل هذا و لم تقله و ليس فيها حشو عبارات بل النون لإحتواء الكل و التاء لدفع المولود الجديد فمن هم أعلى درجة و من هم أخفض درجة كلهم ستنتظرهم المغفرة و الأجر.
و نجد هنا سبب عدم ورود التاء في فعل المجيء وورودها في "المؤمنات":
"إذا جاءكم المؤمنات"الصف:12
إذ سبب بداية الدخول في الإيمان ليس المجيء تحديدا. و ما يزيدنا تأكيدا أنّ ما أسموه جمعا مؤنثا ليس كذلك ورود لفظ "أيام" الذي يعتبره اللغويون مذكرا معنويا متعلقا بنعوت مؤنثة مفردة "معدودة" أو جمع "معدودات" و لنقرأ:
"و قالوا لن تمسّنا النّار إلاّ أياما معدودة" البقرة:80
"أياما معدودات" البقرة:184
"و اذكروا الله في أيّامـ معدودات" البقرة:203
"ذلك بأنّهمـ قالوا لن تمسّنا لنار إلاّ أياما معدودات" أل عمران:24
¥