و قد حاول المفسرون بكل طريق حلّ الإشكال حتّى أنّ الرازي قال في تفسيره أنّ عبارة "أياما معدودات" أتت في القرءان على غير الأصل أمّا عبارة "أياما معدودة" فجاءت وفق الأصل!!!. و نحن نطالبه بتوضيح الأصل الذي يتحدث عنه حتّى نقارن و نشير فقط أنّ عبارة "أياما معدودات" أتت 3 مرات في القرءان و عبارة "أياما معدودة" أتت مرّة واحدة فعن أي اصل يتحدث ثمّ حتىّ عبارة "أياما معدودة" ليست على الأصل كما يزعم لأنّ أيام مفرد مذكر حسب القواعد و معدودة مفرد مؤنث!! هكذا يتحول القرءان بفعل هؤلاء إلى منشفة أقل بكثير من شعر الفرزدق. و كان يكفي رؤية الثور ألف "ا" للتدليل على تفرق الأيام و التاء المربوطة للتدليل على تتابعها و أن لا شيء في هذه الأيات إسمه مذكر و مؤنث و أنّ بنية القرءان العربية تختلف عن لسان البشر الأعجمي و اللفظ يبنى إنطلاقا من الحرف و ليس إنطلاقا من الجذر الثلاثي كما يقولون و لو أتى القرءان ببنيوية كاملة مغلقة لأستعصى فكّها و لكن في تدرجه يسعى أن يوضح البنية من خلال ما يتصوره الناس شذوذا و نفس القضية تحدث في الكون فالشاذ في الظواهر الطبيعية هو الذي يفجر الثوارات العلمية و يفتح الأفاق الجديدة. القرءان هو تنزيل الكتاب و هذا الإسقاط للكون في صحيفة يحمل نفس الخصائص البنيوية، فالكون صمّم لنتعرف عليه و كأنّه معلّم كبير يقودنا من مرحلة إلى أخرى في تصاعد مستمر و في جدلية التراكم المعرفي نرتقي بأنفسنا و بمحيطنا و كذلك القرءان صاغه الربّ بنفس الطريقة فهو يقودنا في رحلة لنتعلم منه و به في جدلية القرءان و الكتاب.
فلغة البشر لها قواعد و نظام و لكنّه غير مطرّد و هذا النظام إصطلاحي بحت ليس له ما يقابله إلاّ ما اصطلح عليه واضعوه في تجربتهم التاريخية و قواعد اللغة البشرية تنشأ من الحاجة للتواصل و بنية الجملة في أي لغة تحمل تاريخ الأمة التي تتحدث بها كلّه فهي ليست ثابثة و لا علمانية و لا موضوع لها. و بنية القرءان كونية أي مقابله كوني بحت فهي بهذا محيطة بالكون إحاطة كليّة لإحداثها التقابل بين لبنات الكون الأولى و حروف القرءان و رموزه، و سيبقى تأويل القرءان ظنّي و البحث فيه متصل متشابه كلّما ظهر في الكون كشف جديد.
و لنتأمل هذا المثال ليتضح الأمر أكثر:
"و إذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سُجّدا و قولوا حِطّة نغفر لكم خطاياكم و سنزيد المحسنين"
البقرة:58
"و إذ قيل لهم اسكنوا هذه القرية و كلوا منها حيث شئتم و قولوا حطّة و ادخلوا الباب سُجّدا نغفر لكم خطيئاتكم و سنزيد المحسنين"
الأعراف:161
و يرى القارئ أنّ الخطاب موّجه لنفس الجماعة بتغيير في النظم و تغيير يأتي على قواعد التأنيث و التذكير في إيراد "خطاياكم" و "خطيئاتكم" تذكيرا و تأنيثا كما يقول اللغويون و أكثرهم ذكاءا يقول أنّ أحد اللفظين يدل على القلّة و الأخر يدل على الكثرة (جمع التكسير كما يقولون) و الأمر يتعدى هذا الشرح و إن كان محاولة أفضل من قاعدة التذكير و التقليل و لمن لاحظ رسم اللفظين في القرءان:
"خطـ ا ـيـ ا ـكم" و "خطيـ~اءـ ا ـتكم"
سيرى أن خطايا تدل على الفعل العمدي بفعل الياء فيها الذي تدل على مد الأيادي لإخراج الخطأ و الخطيئات تدل على الخطأ المتولد طبيعيا بفعل العمل و الجهد و غيره و أنّ الثور ألف "ا" في كلا اللفظين يدل على تقطيع الفعل فالخطيئة قد تحدث و الخطيّة كذلك في كل وقت و ليس في طول الوقت و إلاّ فلا معنى لغفرها أي إسدال الستر عليها و مسحها و كفرها و للوصول إلى هذه المعاني لمن لم يقتنع بعد بالبنية عليه بقراءة سياق الأيتين و على كل فلا معنى أبدا للتذكير و التأنيث كقاعدة هنا.
البعد الكوني لـ "ـات" ظاهر في الألفاظ التالية:
الشهوات ـ الصلوات ـ خطوات
توليد الشهوت من سابقاتها و توليد الصلوات من سابقاتها عمل لا نهاية له ففعل التوليد جدلي مستمر. و الأمر ليس قياسا و لا جمع قلّة و لا كثرة و لا شذوذ و لكنّه بنية عربية أساسها اللبنة الأولى في اللسان القرءاني و هو الحرف و قد يكون أساسها لبنة كواركية لم نصل إلى فكّها بعد.
و من واجبنا و نحن في هذه القاعدة أن نقف قليلا مع الصدّيقة مريم و نقرأ:
"و صدّقت بكلمات ربّها و كتبه و كانت من القانتين"
التحريم:12
¥