تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

و هنا نجد الهندسة اللفظية البنيوية الخارقة في القرءان. فالأيات المحكمات التي هي اللبنات الأساسية أُمّا أي هي من توّلد المتشابهات و جاء ضمير "هنّ" ليعبر أنّ المحكمات هي لبنات القرءان كلّها دون تمييز، فحروف القرءان هي محكماته و القرءان ليس فيه حروفا فقط ففيه رموز و علامات و أرقام و فواصل و هذه هي محكماته و منها تنشأ الألفاظ ثمّ الأيات ثمّ السور ثمّ القرءان كلّه و كل هذه متشابهات وصولا إلى القرءان نفسه:

"الله نزّل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الّذين يخشون ربّهم ثمّ تلين جلودهم و قلوبهم إلى ذكر الله؛ ذلك هدى الله يهدى به من يشاء؛ و من يضلل الله فما له من هاد"

الزمر:23

فالقرءان كلّه متشابه و لا شيء فيه لا يخضع للتراكم المعرفي و لذلك فالأيات المحكمات أمّ للكتاب و الأم هي من تحوي لتُخرج المحتوى و نون "هنّ" لا تعني التأنيث بل تعني الإحتواء.

و لمّا كانت الأنثى الإنسان هي من تستقبل بويضتها منّي الذكر و تحتويه كان دخول النون على هنّ للتعبير عن جمع الإناث داخلة في نفس مفهوم النون و هو الإحتواء و ليست النون أداة للتأنيث حصرا. و لو كانت كذلك لكان ورود النون في أخر أي لفظ في القرءان يعني تأنيثه، فالبنية تتصف بالعلمانية و لا يمكنها أن تحكم جزءا و تشّذ عنها أجزاءا أخرى. و لنتمعن في هذه الأية:

"و لئن سألتهم من خلق السماوات و الأرض ليقولنّ الله؛ قل أفرأيتمـ مّا تدعون من دون الله إن أرادنى بضرّ هل هنّ كاشفات ضرّه أو أرادنى برحمة هل هنّ ممسكات رحمته؟؟ قل حسبىَ الله، عليه يتوكل المتوكلون"

الزمر:38

لا يستطيع أي إنسان أن يقول أنّ من يُدعى من دون الله في هذه الأيات مجموعة إناث و لكن للكهنوت فنون في تثبيث قواعده و قبر ءايات القرءان. وهنا تأتي القاعدة الكبرى عند الكهنوت و هي تقدير المحذوفات و ملء الفراغات في النص القرءاني، فيعتبرون "هنّ" اللات و العزى و منواة و غيرهم ممن اعتبروه ألقابا مؤنثة و يخترعون ما لا يأت في الحسبان، و الأية ببساطة تقول أنّ ما تدعون من دون الله كلّهم و من دون إستثناء لا يمكنهم لا الكشف و لا الإمساك. فالنون في "هنّ" تدل على الإحتواء. و لو تأملنا الأية قليلا لوجدنا الحديث عن خلق السماوات و الأرض و كان المفروض أن يأتي ضمير المذكر "هم" كما يزعمون للتدليل على قوّة التحدّي بدل مجيء "هنّ".

و لمن ينكر وجود البنية اللفظية في القرءان أو يستغربها و يرى الأمر تجميع إصطلاحات و قواعد جزئية أنصحه بالتمعن في رسم نونين "هنّ" في ءايات الزمر أعلاه. فالذي يكشف الضر هو من يخرجه و جاءت نون "هنّ" محكمة الإغلاق و الذي يمسك الرحمة هو من يقفل عليها فلا يتركها تخرج و جاءت نون "هنّ" مبسوطة مع ممسكات. أليس الرسم القرءاني رحمة؟

هذه الأية تُسقط الكثير من الأوهام، وهم تعلق "هنّ" بجمع التأنيث الغائب، فلا هنّ لتأنيث و لا هنّ للغائب و جاءت لتعطي مفهوم حرف النون بتغيير هيئة رسمه.

لا شك أنّ وضع المفاهيم الصحيحة هو السبيل في تفجير الحق القرءاني في باقي الأيات التي تظهر و كأنها متناقضة أو خاطئة أو طلسمية و لنقرأ:

"و جآءه قومه يهرعون إليه و من قبل كانوا يعملون السيئآت؛ قال ياقومـ هؤلاء بناتى هنّ أطهر لكم فاتقوا الله و لا تخزون في ضيفى، أليس منكمـ رجل رشيد"

هود:78

إنّ ضمير "هنّ" يظهر و كأنّه حشو عبارات إذ يستطيع القارئ حذفه دون أن يتغير المعنى. فما معنى إيراده في الأية؟

إنّ النبي الكريم لوط يقول أنّ كل بناته أي من لقنهم منهجه وليس أولاده البيولوجيين الإناث دون تمييز أطهر للمعاشرة الجنسية وهذا هو سبب إيراد ضمير "هنّ" في هذه الأية.

و لو كانت قاعدة تقسيم الضمائر تخضع للتأنيث و التذكير لوجدنا في القرءان كل هاته الثنائيات: ال

أنا / ضمير مؤنث أنا

أنتَ / ضمير مؤنث أنتِ

أنتما / ضمير مؤنث أنتما

هما / ضمير مؤنث هما

أنتم / ضمير مؤنث أنتم

نحن / ضمير مؤنث نحن

و قد يتصور القارئ أنّ عدم مجيء هذه الصيغ الثنائية للتدليل على التأنيث محض صدفة و أنّ هذه الضمائر موجودة أساسا في اللغة استقى القرءان منها ألفاظه لكن محاسن الصدف أو مساوئها جعلت صائغ القرءان ينسى إستعمال هذه الضمائر كما ينسى الكتّاب إستعمال كثيرا من الألفاظ في نصوصهم و لا يمكنهم بحال الإحاطة بكل الألفاظ و إيرادها في نصوصهم، لكن الغريب أن تغيب ضمائر المؤنث المستخدمة في اللغة الجزيرية:

أنتِ

أنتنّ

إلى هذه الدرجة.

و في الختام بعد هذه الدورة الطويلة في غضون بلاغات القرءان لا يسعنا إلاّ القول أنّ خطاب القرءان للإنسان ذكرا أو أنثى و هذا الخطاب موّجه إلى نفخ الروح فينا و ليس مسحا لمواطن التكامل بين الجنسين فالقرءان يورد العبارتين:

"الذكر أو الأنثى"

"الذكر و الأنثى"

ليشير أنّ هناك مناطق الإلتقاء و مناطق الفصل و أنّ مناطق الفصل ليست للعداء و لا للتنافر بل هي لجعل الحياة الدنيا فيها تبادل عواطف الرحمة و الرأفة بمعاني التجاذب و الشغف بين الجنسين قصد كشف كل فرد بمرآة الجنس المقابل له عن ذاته هو و ليغوص في فهم أغوار نفسه و هذا ما نسميه اليوم مبدأ التغاير.

ALTERITE

و للحديث بقية

بن نبي

منقول للفائدة والتعليق من اهل الاختصاص باللغة العربية

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير