أرشيف منتدى الفصيح - 1

بينه و بين نهاية السطر الشعريّ [م] و هو صوت أنفي مجهور لا مهموس. فالبنيّة الصوتيّة للمقطع الأوّل، بخاصّة أنّه يتحدث عن المدينة، و بما أنّه مطلع استهلالي للقصيدة، يرمي طابع الحزن عليه، فالأصوات لا تكاد أن تجهر حتّى تلين أو تهمس، أشْ [مهموس] جـ[مجهور]ــا [حرف لين]، تلك بداية القصيدة، ما أن يأتي الخير (الهمس) حتّى يعقبه الشر (الجهر)، تلك هي النظرة التشاؤميّة التي تحكم النصّ بأكمله.

يكاد لا يخلو سطر شعري في هذه القصيدة من حرف مدّ، إن لم يكن ألفاً فهو الواو، و هو في كلتا الحالتين غالبا ما يكون جمع تكسير (أشجار، أحداق، ألوان، أنغام، الأطفال)، (الطيور، النجوم، الزهور، غيوم)،

أو نهاية السطر الشعري في الجزء الثاني من القصيدة، فكأنّما الشاعر يمدّ ما به من أحزان على حال العراق خاصة جيكور من خلال تلك الحروف التي تحمل السعة و المدّ (ـــاء/ـــور/ـــى/ـــوم) لذلك عندما و صل الشاعر إلى نهاية القصيدة و وجد الأمر أنّه محال أن يتغيّر استخدم من الأصوات القصير المتمثّل إمّا بالبنية التكراريّة (القمر، الزهر) أو الهمس (تمسحه)،و كأنّ الشاعر يريد بسرعة أن يتخلص من موقفه فلجأ على ما سبق، فضلاً عن أنّه استعاض بالزهر عن الزهور من خلال الحذف الصوتي و التركيبيّ في (زهور)، ممّا يوظّف السرعة في نهاية المقطع المتشائم.

لاحظ أنّ أصوات المقطع الثاني أكثرها مهموس، و أقلّها مجهور، يقول:"حقل يمص الماء "،تتمثل صوتيا بِ ح [مه] ق [مه] ل [مج] ن [مج] ي [مج] م [مج] ص [مه] ل [مج] م [مج]ــــاء (مدّ لهمومه السابقة، ومن الطبيعي أن ينتج مثل هذالا في هذا السطر الشعري وحده بل في كل سطور المقطع، فالنظرة التشاؤميّة (خير يعقبه شر) متمثل خير تمثيل في البنية الصوتيّة للمقطع، فيلجأ الشاعر في نهاية السطر الشعريّ إلى أن يمدّ ما به من هذا الضيق المتمثل بتلك النظرة من خلال حروف المدّ.

البنية الصوتيّة في استخدام الأفعال تبيّن معناه، مرّت: م [مج] رر [تكراري] ت [مه]، و كأنّ الشاعر يكرر هذا الجهر (الشر) من خلال البنية التكراريّة لحرف الراء، و يتبعه بهمس (و كأنّه لحظة انتظار ماهية المارّ، و هو معروف من خلال تكرار المجهور (مرّ) فإذا به الغيوم، لا بدّ و أن تكون الغيوم بمدلولها الشرير، لأنّ ذلك ما تتوقعه البنية الصوتيّة السابقة.

إنّ دراسة النص الشعري – كما هو مضح سابقاً- دونما نظر إلى بنيته الصوتيّة دراسة عقيمة،بل إنّ الناظر إلى البنية الصوتيّة وحدها يستطيع أن يكشف مدلول القصيدة، و إلّا فكيف تؤثّر بالعوام من الناس، إذا ما كانت تجري أصوات القصيدة في نفوسهم مجرى الدّم في أجسادهم.

الجانب التركيبيّ?

يرتبط الجانب التركيبيّ بالبنية الدلالية أكثر من غيره من الجوانب، إنّ النحْو لا قيمة له إنْ لم يدلّ على معنى، هذا ما تمثَّل في نظرية النظم لعبد القاهر الجرجاني (أن تضع الكلام الموقع الذي يقتضيه علم النحو).

يلجأ الشاعر في المقطع الأوّل إلى الجملة الاسمية بشكل مكثر (أشجارها ... )، (لا عري ... )، (و ليلها .. )،

ذلك لأنّ المقطع الأوّل يعتمد على الوصف الذي هو من وظيفة الجملة الاسميّة، غير أنّه يعدل إلى الفعليّة (يطلع ... ) و كأنّه يولّد من المعنى السابق " و ليلها لا ينام " معنى يتضمن الاستمرار باستخدام الفعل المضارع (يطلع). و يستخدم بدر أسلوب التقديم بمهارة في"يطلع من أحداقه [السواد في العين] فجره"، قدّم الحدقة الذي هو الليل في سواده لأنه هو الأهم في توضيح المعنى المراد: عدم الراحة في المدينة. لاحظ، أيضاً، جماليّة حذف المفعول به في " لا عري يعروها ولا صفرة [تعروها] "حتّى يناسب الجانب الإيقاعيّ و البناء الصوتيّ، ويتجنب التكرار غير المفيد كَ " ما ودعك ربك و ما قلى ".

¥