لقد صُوّر لفضيلة المفتي السابق لمصر أن المحجبات في الغرب يتعرّضن لخطر القتل، وانتهاك الأعراض بسبب الحجاب فهل يجوز لهن الترخص بخلعه؟ فأجاب فضيلته بالإثبات، وطيرت الصحف ذلك كل مطير، وفتوى فضيلته صحيحة لو صحّ تصوير النازلة على النحو الذي صُوّرت به وهو غير صحيح، ثم تبقى لها في هذه الحالة بقية، تتمثل في أن على المرأة المسلمة التي استضعفت عن إقامة فريضة الحجاب أن تهاجر إلى بلد آخر لا تتعرض فيه لمثل هذه الفتنة عند القدرة على ذلك، وآية سورة النساء في الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم، والذين يعتذرون بأنهم كانوا مستضعفين في الأرض دليل ظاهر على ذلك.
ومن ناحية أخرى فإن على حملة الشريعة أن يتفطنوا لمثل هذه الأحوال، وأن يكونوا على صلة متجددة بما يطرأ في زمانهم من نوازل ومتغيرات، وألاّ تعجّلهم إلحاحات بعض المستفتين فتخرجهم عن منهج الرويّة والتثبّت، واستجلاء الأمور بدقة تتناسب مع جلال الفتوى وخطورة منزلتها، وأن يذكّروا طالب الفتوى بالله -عز وجل- وأن يعلّموه أن فتوى المفتي لا تُحل حلالاً ولا تحرّم حراماً، بل الحلال ما أحله الله ورسوله، والحرام ما حرمه الله ورسوله.
إنه لا يجمل بفقيه من الفقهاء في واقعنا المعاصر –مثلاً- أن يُسأل عن رأيه في شركات التأمين فيفيض في القول في أهمية الأمن وضرورته للمجتمعات، ويفوته النظر إلى ما تتضمنه عقود التأمين من غرر وميسر وربا ونحوه من أسباب فساد العقود.
ومن ناحية أخرى فإن على المستفتي أن يبين الواقع للفقيه حتى تكون فتواه مطابقة لهذا الواقع، وأحسب أن المجامع الفقهية المعاصرة تنحو هذا المنحى؛ فهي تضم في صفوفها كوكبة من الفقهاء والخبراء، ومن ثم كانت قراراتها أقرب إلى القبول العام من الفتاوى الفردية التي تُنسب إلى هذا العالم أو ذاك.
الإسلام اليوم: ما مفهوم المرجعية الدينية عند أهل السنة مقارنة بالمراجع الدينية لدى غيرهم؟
د. صلاح الصاوي: العلماء عند أهل السنة ذرائع لمعرفة الحكم الشرعي، وطاعتهم إنما تجب لهم على هذا الاعتبار، فليست لهم طاعة ذاتية ولا طاعة مطلقة، ولا حق لهم في التشريع المطلق بحال، بل يقتصر دورهم على فهم النصوص والاستنباط منها والتخريج عليها والرد إليها، فالحلال ما أحله الله ورسوله، والحرام ما حرمه الله ورسوله، والدين ما شرعه الله ورسوله، وهم في النهاية بشر من البشر يخطئون ويصيبون، ولكن عصمة الأئمة عند الشيعة تعطى لأئمتهم مقاماً آخر لا يقرّ به أهل السنة إلا للأنبياء دون غيرهم من الناس، وهذه النقطة من نقاط الخلاف الجوهرية بين السنة والشيعة.
أما الأحبار والرهبان عند النصارى فإنهم يملكون حق التشريع المطلق؛ فالحلال ما يحلونه والحرام ما يحرمونه، ولو جاءت التوراة والإنجيل بخلاف ذلك، وهذه هي الربوبية التي كانت في بني إسرائيل، والتي نعاها عليهم القرآن الكريم في قول الله عز وجل: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح بن مريم وما أُمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً).
الإسلام اليوم: هل تؤيد قيام مرجعية علمية عامة تضم نخبة علماء الأمة يكون لحكمها صفة الإجماع مجازاً؟
د. صلاح الصاوي: قيام مرجعية علمية تضم نخبة من علماء الأمة أمل كبير وحلم جميل، والسعي إلى إقامته من جملة الواجبات، ويبقى النظر فيما يعترض سبيله عملياً من المعوقات والصعوبات، كالمعوقات السياسية والحزبية والمذهبية والأمنية ونحوه، لا تكفي الأماني وحدها لتحقيق المقاصد النبيلة والجميلة في هذه الدنيا، بل لا بد من النظرة الواقعية التي تتعامل مع المعوقات، وتتلمس السبل إلى تذليلها والتغلب عليها، وعلى كل حال ما لا يُدرك كلّه لا يُترك جُلّه، فإذا لم يمكن تحقيق ذلك على مستوى عموم الأمة، وأمكن تحقيقه على مستوى قطر من أقطارها فلنبدأ بذلك، وأول الغيث قطر ثم ينهمر كما يقولون!
الإسلام اليوم: المجامع الفقهية والهيئات العلمية هل يكون لقراراتها طابع الإلزام لنطاق الإقليم الذي نشأت فيه؟
د. صلاح الصاوي: أما الإلزام بالمعنى الشرعي الدقيق فلا، لأن ما تصل إليه هذه المجامع -على عراقة بعضها وامتداد رقعة تمثيلها- لا يمثل الإجماع إلا على سبيل المجاز كما تفضلت، ولكنها على كل حال تمثل موقفاً فقهياً ناضجاً ومدروساً ومحققاً ومدققاً يعسر تجاوزه إلا باجتهاد يرقى إلى مستواه، وتتحقق فيه مثل مقوماته وخصائصه. ويبقى أن حق الاجتهاد والمخالفة مكفول لحملة الشريعة ما دام في إطار النظر المعتبر في الأدلة.
http://www.islamtoday.net/albasheer/show_articles_*******.cfm?id=72&catid=77&artid=6260