وعلى رأس هؤلاء العلماء الذين استفدت منهم استفادة عظيمة، الإمام الحافظ ابن حجر (رحمه الله) الذي عكفت على مطالعة شرحه العظيم لصحيح البخاري " فتح الباري " واستخرجت من ثناياه كنوزاً ودرراً، وكذلك (ص 12) استفدت كثيراً من كتابه " النكت على مقدمة ابن الصلاح " وغيرها من كتبه.
كما كان لكتب العلل كـ " العلل الكبير " للترمذي، و " العلل الصغير وشرحه " لابن رجب و " الإلزامات والتتبع " و " علل ابن أبي حاتم " و " علل الدارقطني " و " علل ابن المديني " إسهام كبير في بناء هذا البحث.
واستعنت بكتب الجرح والتعديل منها " التاريخ الكبير " و " الجرح والتعديل " لابن أبي حاتم الرازي و " تهذيب الكمال " للمزي و " تهذيب التهذيب " و " التقريب " للحافظ ابن حجر وغيرها، كما استفدت من كتب المصطلح في المقارنة وشرح ما يغمض من كلام الأئمة ومن أهمها "مقدمة ابن الصلاح " و " التقييد والإيضاح " للعراقي و " فتح المغيث " للسخاوي وشرح النخبة وغيرها.
كما لم أهمل الاستفادة من كتابات بعض المعاصرين وتحقيقاتهم وتخريجاتهم كتحقيق الشيخ مقبل بن هادي لكتاب الإلزامات والتتبع، وتحقيقات السامرائي وتخريجات الأرناؤوط والشيخ الألباني ودراسات أحمد نور سيف والدكتور حمزة عبد الله المليباري وغيرهم.
وقد اعترضتني صعوبات كثيرة في إنجاز هذا البحث منها:
1) صعوبة هذا الموضوع في حد ذاته، والتي لم يخفها على فضيلة الأستاذ المشرف وبعض من استشرتهم من الأساتذة. فمن المعلوم أن البخاري لم يصرح بآرائه ومنهجه في كتبه فكان دوري هو استنباط هذا المنهج من ثنايا النصوص، وهذا اقتضى مني المراجعة الطويلة للكتب التي اهتمت بشرح الجامع الصحيح أو انتقاده والتعقيب عليه لعلي أظفر بشيء، وفي كثير من الأحيان أتوقف عن معرفة مقصد البخاري في إخراج طريق ما، أو ذكر اختلاف في حديث، أو غير ذلك من صنيعه. فأذكر ما أصل إليه وأفهمه على سبيل الاحتمال وأعضد موقفي بنصوص من أقوال الأئمة. ولو كانت هناك أقوال صريحة لحسمت الأمر، وحلت النزاع، ووفرت الوقت والجهد.
2) بعد مقر إقامتي على الجامعة مما جعلني أجد صعوبة كبيرة في (ص 13) الاستفادة من المكتبة وخاصة المراجع الداخلية منها، وكذلك مشقة السفر للاتصال بالمشرف.
هذا وأتمنى أن أكون قد وفقت من خلال هذا البحث من جعل المشكلة في ضوء البحث العلمي الهادئ والهادف من خلال الرجوع المباشر إلى أئمة العلم وكتبه الأولى، ومصنفاته الأصلية.
ومن هنا أرجو أن يضيف هذا البحث طريقة علمية منهجية في فهم مناهج كتب السنة وأساليب النقدية. ويحرك همم الباحثين لاستكمال النقائص وسد الثغرات، وبمتابعة الجهود في تمحيص كتب السنة ودراستها دراسة علمية مقارنة لاستخراج مناهجها النقدية يمكن – بإذن الله – أن تتبلور نظرية متكاملة واضحة في نقد السنة عند المحدثين، ومن خلال هذه النظرية نستطيع أن نستمر في خدمة السنة تحقيقاً وتخريجاً علمياً أصيلاً، ومن خلالها أيضاً نستطيع أن نقوّم تلك الجهود الجبارة التي بذلت في سبيل الحفاظ على المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي.
وقد جاء البحث في ثلاثة فصول وخاتمة.
الفصل الأول: وهو عبارة عن فصل تمهيدي خصصته للكلام عن الحديث وعلومه إلى عصر الإمام البخاري، وقد اشتمل هذا الفصل على أربعة مباحث:
المبحث الأول: تحدثت فيه عن كتب السنة قبل الجامع الصحيح كالسنن والمسانيد وكتب السير والمغازي والتفسير والأجزاء المفردة في أبواب مخصوصة، والغرض منه توضيح مدى استفادة الإمام البخاري ممن سبقه، وبيان أن الجامع الصحيح لم يأتِ من فراغ، وإنما هو حلقه من سلسلة متواصلة من جهود المحدثين في التصنيف والتأليف.
والمبحث الثاني: خصصته للكلام – بشيء من الإيجاز – عن حركة التدوين في علوم الحديث والنقد إلى عصر الإمام البخاري وكيف بدأت قواعد التصحيح والتعليل تستقر عند كثير من أئمة الحديث ونقاده. (ص 14).
والمبحث الثالث: ترجمت فيه للإمام البخاري بترجمة شاملة وموجزة ركزت فيها على مختلف جوانب شخصيته العلمية.
والمبحث الرابع: سردت فيه الآثار العلمية للإمام البخاري، وعرفت بالموجود منها سواء أكان مطبوعاً أم مخطوطاً، ثم ختمت هذا المبحث بذكر التأثير العلمي لمصنفات الإمام البخاري فيمن عاصره أو من جاء بعده.
¥