وقد يجر إلى خطأ أخر وهو أن بعض الرواة الذين ذكرهم العجلي في كتابه لم يذكر فيهم جرحاً ولا تعديلاً (28) فمن ظن أن الكتاب مختص بالثقات أعتبرهم ثقات عند العجلي، قياساً على ثقات ابن حبان.
وأقرب الأسماء إلى الصواب: أما (السؤالات)، أو (معرفة الثقات … ومن الضعفاء .. ) كما سبق عن نسخة ترتيب تقي الدين السبكي.
ويظهر من هذه التسمية الراجحة: أن شرط العجلي في كتابه أوسع من اختصاصه بـ (الثقات) كما سبق، بل هو كتاب في (الجرح والتعديل) وفي (تاريخ الرواة) وفي (معرفة الرجال) مطلقاً، وهذه كلها تسميات أولى من: (الثقات) لأنها أصدق وصفاً لمضمون الكتاب.
• توثيق العجلي واتهامه بالتساهل فيه:
تقدم من ألفاظ الأئمة في الثناء على العجلي، ما بين أنه إمام من أئمة النقد، وأنه من كبار الحفاظ مع التدين المتين والورع والزهد، حتى إنه كان يقرن في ذلك بيحيى بن معين والإمام أحمد بن حنبل إمامي السنة والجرح والتعديل.
وثناء الأئمة عليه بذلك استمر من عصره وفي حياته، إلى زمن الإمام الذهبي وابن ناصر الدين، بل إلى ما بعد ذلك، حتى العصر الحديث حين اتهم بالتساهل كما يأتي!!.
بل لقد مضى الأئمة على اعتماد أقوال العجلي،والنص على أنه من أئمة الجرح والتعديل المعتمدين،وعلى الثناء على كتابه في الجرح والتعديل.
فكتاب العجلي أحد موارد الخطيب البغدادي،والحميدي (ت488هـ) وابن عساكر، والمزي، والذهبي،وابن رجب الحنبلي،والحافظ ابن حجر، والسخاوي، والسيوطي، وابن العماد الحنبلي،وغيرهم (29).
وقد ذكره الإمام الذهبي في كتابه (ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل) (30) وذكره السخاوي في (المتكلمون في الرجال) (31).
وقال الذهبي في ترجمته في (سير أعلام النبلاء): " وله مصنف مفيد في الجرح والتعديل، طالعته، وعلقت منه فوائد يدل على تبحّره بالصنعة وسعة حفظه " (32).
وقال نحو هذه العبارة الصفدي في (الوافي بالوفيات) (33).
وقال ابن ناصر الدين: " وكتابه في الجرح والتعديل يدل على سعة حفظه وقوة باعه الطويل (34).
وعلى هذا لم أجد أحداً من الأئمة السابقين – قبل العصر الحديث – من وسم العجلي بالتساهل في التوثيق وأنه لا يعتمد على توثيقه إذا انفرد به لراو لم نجد فيه قولاً لغيره.
وأول من وجدته وصف العجلي بالتساهل في التوثيق:العلامة المحقق عبد الرحمن ابن يحيى المعلمي (ت1386هـ) حيث قال في (طليعة التنكيل لما ورد في تأنيب الكوثري من الأباطيل): " والعجلي قريب من ابن حبان في توثيق المجاهيل من القدماء " (35).
وقال أيضاً في (الأنوار الكاشفة): " وتوثيق العجلي وجدته بالاستقراء كتوثيق ابن حبان أو أوسع " (36).
وتبعه على ذلك محدث العصر العلامة محمد ناصر الدين الألباني، في مواطن كثيرة من كتبه، منها قوله في (سلسلة الأحاديث الصحيحة): " العجلي معروف بالتساهل في التوثيق، كابن حبان تماماً، فتوثيقه مردود إذا خالف أقوال الأئمة الموثوق بنقدهم وجرحهم " (37).
ثم انتشر هذا القول بتساهل العجلي بين طلبة العلم وأصحاب التأليف، حتى شاع واشتهر، ولم تعد ترى فيهم من يدفعه أو يخالفه، بل من يناقشه بالدليل والبرهان، فأصبح من الأمور المسلمة عندهم، لايحتاج إلى استدلال، بل ربما لا يجوز ذلك فيه!!.
وخطأ ذوي الفضل – كالمعلمي والألباني – يزيد من فضلهم، لأنه أجر واحد من مجتهد معذور، يضاف إلى ما سبقت به أعمالهم – تقبلها الله – لكن تقليدهما فيه، والتعصب لذلك جهلاً واستكباراً هو المأخوذ على صاحبه.
ولمناقشة هذه المسألة، أذكر أدلة من اتهموا العجلي بالتساهل، ثم أتبعها بالرد عليها، قالوا: يدل على تساهله أموراً ثلاثة:
الأول: كثرة توثيقه لمن لم نجد لغيره فيهم كلاماً.
الثاني: مخالفته لغيره من أئمة النقد بتوثيقه رواة جهلهم غيره أو ضعفهم أو تركهم.
الثالث: عدم اعتماد الحافظ ابن حجر لتوثيق العجلي إذا انفرد.
والرد على هذه الشبه من وجوه:
الأول: أما توثيقه لمن لم نجد لغيره فيهم كلاماً، فما وجه دلالته على تساهله؟ وهل تزيد على أن أعلنا جهلنا؟ وأننا عجزنا أن نعرف حال الراوي إلا من طريق العجلي؟!
¥