قال محمد تقي الدين كلمة (سفر) بكسر السين وسكون الفاء من الكلمات المشتركة بين اللغات السامية التي نعرفها ففي السريانية (سفرا) سواء أكان نكرة أم معرفة لأن كل اسم في السريانية ينتهي بالألف وليس فيها أداة تعريف، وبالعبرانية إذا لم تضف هذه الكلمة تلفظ (سفر) بكسر السين والفاء, وهكذا الأسماء الثلاثية في اللغة العبرانية كثير منها يكون بكسر أوله وثانيه وإذا أضيف إليه ياء المتكلم تقول (سفري) بكسر فسكون كما في العربية. أما الجمع فيختلف ففي العربية وحدها لا في أختيها يجمع على أسفار, ومؤلف كتاب الابريز توهم أن السفر يجمع على أسفار في اللغة السريانية فاخترع لكل حرف معنى حسبما تقدم من زعمه أن كل حرف في السريانية له معان وهو باطل كما أشرت إليه سابقا، فحرف التهجي في السريانية كغيرها ليس له معنىً , ومن المعلوم أن أكثر الكلمات في اللغات السامية سواء أكانت فعلاً أم اسماً لا يقل عددها في الكلمة الواحدة عن ثلاثة أحرف, وما جاء ناقصا؛ كيَدٍ ودَمٍ فالحرف الثالث فيه مقدر يظهر في الجمع نحو (اغسلوا أيديكم) وسالت دماء الأعداء، فهمزة دماء منقلبة عن ياء والأصل دماي وعلماء اللغات السامية متفقون على هذا ولكن أحمد بن المبارك اللمطي ظن أن اللغة السريانية ماتت موتا تاما وانقرض أهلها ولم يبق أحد يعرفها على وجه الأرض فافترى ماشاء له الخيال أن يفتري. ولم يدر أن قرىً كثيرة في شمال العراق لا تزال تتكلم بالسريانية, وقرى أخرى هناك تتكلم بالآشورية التي أختها الشقيقة, وما أحسن ما قال الشاعر:
في مثل هذا المفتري يحق إنشاده:
يا لك من قبرة بمعمر خلا لك الجو فبيضي واصفري
ونقري ما شئت أن تنقري قد ذهب الصياد عنك فابشري
لا بدّ من أخذك يوما فاحذري
وقد رأيت في خزانة الكتب ببرلين مجلدين ضخمين يشتملان على أسماء الكتب السريانية المخطوطة الموجودة في هذه الدار وحدها فما بالك بخزائن الكتب التي توجد عند السريانيين في الشام والعراق وقد زرت مدرستهم في الموصل، والتدريس فيها باللغة السريانية وهي مؤسسة لتخريج القسيسين، ولما قال لي مدير المدرسة وهو قسيس: اسأل التلاميذ عمّا تريد. فقلت لا أريد أن أخجلهم. فقال: لا بل اسألهم. فأشرت إلى تلميذ عمره خمس عشرة سنة تقريبا يلبس لباس الرهبان كسائر التلاميذ وقلت له تستطيع أن تترجم أبياتا عربية بالسريانية فقال نعم. فقلت له ترجم الأبيات التالية:
تعلم فليس المرء يولد عالما وليس أخ علم كمن هو جاهل
وإن كبير القوم لا علم عنده صغير إذا التفت عليه المحافل
وإن صغير القوم والعلم عنده كبيرا إذا ردت إليه المسائل
فترجمها شعرا بالسريانية أحسن ترجمة.
ثم قال: ومنها (شهر) ذكر الجواليقي أن بعض أهل اللغة ذكر أنه سرياني فقال رضي الله عنه ليس بسرياني والشهر في لغة السريانيين اسم للماء, قلت ومن عرف تفسير حروفه لم يشك في ذلك، قال محمد تقي الدين وهذا أيضا افتراء, فإن الشهر موجود في السريانية بلفظ (سهرا) ومعناه الهلال والقمر. أما الماء الذي زعم أنه في السريانية شهر فقد كذب فالماء في السريانية ماي وجمعه مايي أي مياه، وأقتصر في الرد على هذا المفتري على هذا القدر. وهذا الرجل أحمد ابن المبارك اللمطي السجلماسي من كبار علماء وقته في مدينة فاس في القرن الثاني عشر للهجرة وقد حمله حب الشهرة أن اتّخذ رجلاً من آل البيت اسمه عبد العزيز الدباغ كان يعد من الصالحين وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب اتخذه شيخا ونسب إليه أجوبة كثيرة عن معاني الآيات والأحاديث لا يتسع المقام لذكرها وزعم أنه كان يقرأ اللوح المحفوظ ويجيب عن كل ما يُسأل عنه وهذا يدل على ذهاب العلم والعلماء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:" إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس بعد أن أعطاهموه وإنما يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالم اتّخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا". وإذا أردت أيها القارئ أن تزداد علما بما ينسب من كلمات القرآن إلى غير لغة العرب فعليك بقراءة مقالي المنشور في مجلة الجامعة الإسلامية في الجزء الثالث من السنة الثالثة (محرم 91هـ) والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
ـ[أبو عمر الدوسري]ــــــــ[17 - 03 - 06, 05:55 م]ـ
التقدم والرجعية
بقلم الدكتور تقي الدين الهلالي
¥