تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كُم المرقعة يزن أحد عشر رطلا، والكم الثاني مثله يصير الكمان فقط اثنين وعشرين رطلا، ونسبة الكمين إلى الجبة كلها نجعلها ربعا فيكون وزن الجبة ثمانية وثمانون رطلا، فإذا غمست في الماء يعلق بها من الماء مثل ذلك.

ونترك التعليق للحافظ ابن الجوزي، قال الحافظ ابن الجوزي بعد ذكر هذه الحكاية التي رواها بإسنادين اثنين ما نصه: وإنما ذكر للناس أني فعلت الحسن الجميل وحكوه عنه ليبين فضله، وذلك جهم محض لأن هذا الرجل عصى الله سبحانه وتعالى بما فعل، وإنما يعجب هذا الفعل العوام الحمقى لا العلماء، ولا يجوز لأحد أن يعاقب نفسه، فقد جمع هذا المسكين لنفسه فنونا من التعذيب .. إلقاؤها في الماء البارد، وكونه في مرقعة لا يمكنه الحركة فيها كما يريد، ولعله قد بقي من مغابنه ما لم يصل إليه الماء لكثافة هذه المرقعة، وبقاؤها عليه مبتلة شهرا وذلك يمنعه لذة النوم، وكل هذا الفعل خطأ وإثم وربما كان ذلك سببا لمرضه.

الحكاية الثانية

وحكى أبو حامد الغزالي عن ابن الكريتي أنه قال: نزلت في محلة فعرفت فيها بالصلاح فنشب في قلبي أي شعرت بأنني من الصالحين الذين يستحقون التعظيم، فدخلت الحمام فرأيت ثيابا فاخرة فسرقتها ولبستها ثم لبست مرقعتي وخرجت فجعلت أمشي قليلا قليلا، فنزعوا مرقعتي وأخذوا الثياب وصفعوني، فصرت بعد ذلك أعرف بلص الحمّام فسكنت نفسي، قال أبو حامد: فهكذا كانوا يرضون أنفسهم حتى يخلصهم الله من النظر إلى الخلق ثم من النظر إلى النفس وأرباب الأحوال، وربما عالجوا أنفسهم بما لا يفتي به الفقيه مهما رأوا إصلاح قلوبهم، ثم يتداركون ما فرط منهم من صورة التقصير كما فعل هذا في الحمّام.

قال الحافظ ابن الجوزي بعد ذكر هذه الحكاية: سبحان من أخرج أبا حامد من دائرة الفقه بتصنيفه كتاب الإحياء فليته لم يحك فيه مثل هذا الذي لا يحل، والعجب منه أنه يحكيه ويستحسنه ويسمي أصحابه أرباب أحوال، وأي حالة أقبح وأشد من حال من يخالف الشرع ويرى المصلحة في مخالفته، وكيف يجوز أن يطلب صلاح القلوب بفعل المعاصي وقد عدم في الشريعة ما يصلح به قلبه حتى يستعمل ما لا يحل فيها، وهذا من جنس ما تفعله الأمراء الجهلة من قطع من لا يجب قطعه وقتل من لا يجوز قتله ويسمونه سياسة، ومضمون ذلك أن الشريعة ما تفي بالسياسة، وكيف يحل للمسلم أن يعرض نفسه لأن يقال له سارق، وهل يجوز أن يقصد وهن دينه ونحو ذلك عند شهداء الله في الأرض، ولو أن رجلا وقف مع امراته في طريق يكلمها ويلمسها ليقول فيه من لا يعلم هذا فاسق لكان عاصيا بذلك، ثم في مذهب أحمد والشافعي أن من سرق من الحمّام ثيابا عليها حافظ وجب قطع يده، كلا والله إن لنا شريعة لو رام أبو بكر الصديق أن يخرج عنها إلى العمل برأيه لم يقبل منه، فعجبي من هذا الفقيه المستلب عن الفقه بالتصوف أكثر من تعجبي من هذا المستلب الثياب.

الحكاية الثالثة

قال ابن الجوزي بسنده إلى أبي الحسن المديني أنه سمعه يقول: خرجت مرة من بغداد إلى نهر الناشرية، وكان في إحدى قرى ذلك النهر رجل يميل إلى أصحابنا، فبينا أنا أمشي على شاطئ النهر، رأيت مرقعة مطروحة ونعلا وخريقة فجمعتها وقلت هذه لفقير، ومشيت قليلا فسمعت همهمة وتخبطا في الماء فنظرت فإذا بأبي الحسن الثوري قد ألقى نفسه في الماء والطين وهو يتخبط ويعمل بنفسه كل بلاء، فلما رأيته علمت أن الثياب له، فنزلت إليه فنظر إليّ وقال: يا أبا الحسن أما ترى ما يعمل بي قد أماتني موتات وقال لي ما لك إلا الذكر الذي لسائر الناس، وأخذ يبكي ويقول: ترى ما يفعل بي، فما زلت أرفق به حتى غسلته من الطين وألبسته المرقعة وحملته إلى دار ذلك الرجل، فأقمنا عنده إلى العصر، ثم خرجنا إلى المسجد فلما كان وقت المغرب رأيت الناس يهربون ويقفلون الأبواب ويصعدون السطوح، فسألناهم فقالوا السباع بالليل تدخل القرية، وكان حوالي القرية أجمة أي غابة عظيمة، وقد قطع منها القصب وبقيت أصوله كالسكاكين، فلما الثوري هذا الحديث قام فرمى بنفسه في الأجمة على أصول القصب المقطوع، ويصيح ويقول: أين أنت يا سباع، فما شككنا أن الأسد قد افترسه، أو قد هلك في أصول القصب، فلما كان قريب الصبح جاء فطرح نفسه وقد هلكت رجلاه فأخذنا بالمنقاش ما قدرنا عليه فبقي أربعين يوما لا يمشي على رجليه، فسألته أي شيء كان ذلك الحال فقال: لما ذكروا السبع وجدت في

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير