تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأما تعليم المغزل فهو حسن، ولكن أهم منه في المدن على الأقل تدبير المنزل وتدبير الصحة والتمريض وما أشبه ذلك.

وأما قولكم إن الفتاة في هذا الزمان إذا كانت قارئة تصل إلى ذهنها أنواع الشر بقراءة صحف الخلاعة ومجلاتها، فهو صحيح! ولكن الجاهلة أيضا يصل إليها ذلك بالذهاب إلى السينما ولو خلسة في غيبة الرقيب وتصل إليها بطريق الراديو، ويصل إليها بطريق زائراتها ومحدثاتها، وإذا فسد الجو لم تنفع المعتزل عزلته.

فلو أنكم انتقدتم منهاج تعليم الفتاة وطالبتم بإصلاحه وإبداله بمنهاج كامل يضمن للفتاة التربية الصحيحة بدل إنكاركم للتعليم مرة لكان ذلكم أقرب إلى الصواب.

أما أهل المذهب المقابل فقد أفرطوا وتجازوا الحدود وضلوا ضلالا بعيدا ولا بد أن نناقشهم الحساب، ونبين ما في حملتهم من الحجج الواهية الداحضة، التي هي أوهن من بيت العنكبوت فنقول لهم: أما قولكم إن أمم العالم قسمان: أمم راقية سعيدة، وأخرى منحطة شقية فهو حق، وأما قولكم إن سعادة أولئك السعداء جاءتهم من أعمالهم وأحوالهم فهو صحيح أيضا، ولكنه مجمل يحتاج إلى تفصيل وبيان، وفي إجماله أمكنكم أن تدخلوا ما أدخلتموه من المغالطة، وبيان ذلك أولا أن الأمم الأوروبية تختلف اختلافا كثيرا يكفر من أجله بعضهم بعضا, حتى أن الكاثوليكي لا يقدر أن يتزوج بامرأة بروتستانتية، وإن تجرأ على ذلك عوقب من قبل الكنيسة بالحرمان وهو مصيبة اجتماعية عظيمة. ويختلفون في مناهج الحكم، حتى يفضي بهم ذلك أن يفني بعضهم بعضا بلا إبقاء ولا رحمة، ويختلفون في شؤون النساء فمنهم من يرى وجوب مراقبة الفتاة والمحافظة التامة عليها ومنهم من يطلق لها العنان بعد بلوغها سن الرشد القانوني، ومنهم من يجيز البغاء الرسمي كالأمم اللاتينية لحصر الفساد في أماكن محدودة حسبما ظهر لهم، وهؤلاء يعاملون البغيات بشيء من الرحمة. ومنهم من يحرم البغاء الرسمي كالأمم الجرمانية والأمة البريطانية، وهؤلاء يعاملون البغيات بكل قسوة حتى إنهم ليجعلونهن طبقة منبوذة مستقذرة كالذباب، فلا يمكن البغي أن تتصل بأحد من النساء والرجال ذوي الشرف والمروءة, فهم عندهم كما قال الشاعر:

لتقعدن مقعد القصي

مني ذي القاذورة المقلي

ثم إن هذا التساهل في العرض الموجود عند الأوروبيين لم يكن ناتجا عن المدنية والرقي، بل لا علاقة له بهما أصلا، وإنما هي عادة ورثوها عن آبائهم في زمان جهلهم وهمجيتهم، كما يشهد ذلك تاريخهم، وكذلك بعض الأمم المجاورة للبحر الأبيض المتوسط من غير الأوروبيين، وهي قبائل البربر الذين ليس عندهم من الإسلام إلا اسمه، كآبن مكيلد، وآيت سخمان، واشقيرن، وآيت اسحاق، وآيت هودى وغيرهم، وهذه القبائل في الألوان وبرودة الدم مثل أهل شمالي أوروبة، والغيرة عندهم معدومة، حتى إني رأيتهم إذا وجد أحدهم مع زوجته رجلا يطلق رصاصة في الهواء، لا ليصيب أحدهما بأذى، بل ليعلن الأمر، فيجتمع الناس من كل حدب ينسلون، فيقول لهم الرجل: اشهدوا على فلان فقد وجده مع زوجته، فيقولون: سنشهد لك بما رأينا، فإذا اجتمع ملؤهم في الحي يدعو الزوج ذلك الرجل إلى المحاكمة، فيأتي ويحضر أمام شيوخهم، فيتهمه، ويحضر الشهود، فيشهدون، ومع ذلك كله يجحد المتهم ويقول: إنه لم يفعل شيئا، فيحملون عليه طبقا للعرف أن يدفع إلى الزوج ستة أريلة وكبشا، فيمعن المتهم في الإنكار والامتناع من أداء الغرامة، فيهم الزوج بقتله، فعند ذلك يجري الناس في الصلح بينهما، فيترك الزوج إحدى الغرامتين، إما الكبش وإما ستة أريلة.

وما لنا نذهب بعيدا، فقد جاء في صحيح البخاري أن رجلا كان عنده غلام عسيف أي أجير، فزنى هذا الغلام بامرأة مخدومه، فسأل الرجل بعض الناس ممن ظن أن عندهم علما، فأفتوه أن على الغلام أن يدفع لزوج المرأة مائة شاة، فدفعها أبوه عنه, ثم ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بالقصة، فخطأهم النبي صلى الله عليه وسلم في حكمهم وقال: "أما الغنم فهي رد على أبي الأجير وأما الأجير فعليه جلد مائة وتغريب عام", وأما المرأة فبعث إليها النبي صلى الله عليه وسلم رجلا اسمه أنيس وقال: "أغد عليها فإن اعترفت فارجمها".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير