تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد أخذت بهذا المبدأ جميع القوانين الأوروبية، وكان الفضل فى ذلك للشريعة الإسلامية الغراء، التى انتقلت إلى التشريع الفرنسى على مذهب الإمام مالك … .. ولقد قرر الإنجليز أيضا أن الوقف لا يملك بوضع اليد مهما طالت المدة. ().

وأخيرا فإن المستشرق جوزيف شاخت ذكر أن لفظة Cheque - شيك- جاءت من الكلمة العربية صك، أى الوثيقة المكتوبة () والقارئ لفقه المالكية المغاربة يدرك مبلغ عنايتهم بالتوثيق، وقد درجوا على إطلاق مصطلح " صك الدين" على الوثيقة التى تثبته.

خامسا: الأخذ بالصيغ الإسلامية فى التوثيق:

على الرغم من أن جمهور الفقهاء يرون التوثيق بالكتابة مندوبا لا واجبا على أساس أن الأمر فى قوله تعالى " إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه" () للإرشاد والندب ليس إلا () فإن عادة المسلمين جرت بالتوثيق فى كل معاملة تقريبا، وتظهر العناية بالتوثيق فى مصنفات المغاربة بوجه خاص، وفيما حكاه القاضى أبو المطرف الشعبى عن محمد بن عمر بن لبابة المتوفى سنة 314هـ -926م قوله "والتعليم على الشهادة فى الوثائق من سنة الحكم، ولا يكتفى بسماعه للشهادة دون التعليم، لأنه يتذكر به ما شهد به عنده " ().

وتحت عنوان القاضى يكتب الحكم. قال أبو المطرف " وسئل ابن أبى زيد القيروانى عن القاضى يحكم لطالب على مطلوب فيسأله أن يكتب له كتاب حكم، فلا يكون فى البلد من يعرف كتب الأحكام غير القاضى، هل يسعه ألا يكتب؟ وهل إن كتب له أخذ حقه منه؟ وهل يعطى أضعاف أجره؟

فأجاب: لو أن القاضى أفهم من يرجو أن يفهم عنه وجه ما كتب ويدعه يكتب، ثم يتفقد ما كتب ما يصلحه ويزيد فيه وينقص كان هذا أنزه له، وأما لو كتب له وأخذ أجره لكان جائزا إذا جرى الأمر على الصحة والسلامة، ولكنه ذريعة إلى أن يعير، أو يكسبه الناس ما لم يكتسب لسوء تأويلهم عليه.

وأما القاضى إذا حكم، هل يلزمه كتب نسخة الحكم فى ديوانه؟ فهو أمر لا يلزمه، ولكنه أمر مستحسن لأنه قد يحتاج إليه وينتفع به " ().

وعلى وجه عام فإن ذكر الوثيقة يطرد فى مختلف أبواب مصنف القاضى أبى المطرف، وأوضح منه فى الدلالة على شيوع التوثيق فى المعاملات والأحكام ابن سلمون الكنانى فى مصنفه الرائع " العقد المنظم للحكام فيما يجرى بين أيديهم من العقود والأحكام " وقد قال فى مقدمته " لما كانت الأحكام الشرعية لها محل كبير من الدين وعمدة فى حفظ نظام أمر المسلمين، …. لم أزل أعمل النظر فى دواوين العلماء، وأطيل البحث عن المسائل المحفوظة فى ذلك عن المتقدمين والمتأخرين، حتى اجتمع لى فى ذلك عدة من المسائل المفيدة وجملة وافرة من الأحكام والنوازل الفردية فأردت أن أضم نشرها، وأنظم على الاختصار دررها فى ديوان يحتوى عليها، ويكون لى تذكرة عند التشوق إليها، وأضفت إلى ذلك من الوثائق المستعملة ما يكون لفائدتها كالتكملة، وقد جمعت من ذلك للناظر ما يكثر به بلواه، ولا يجده مجموعا فى سواه" ()

وقد قصدت بهذا الإطناب التمهيد لأمرين:

أولهما: التأكيد على اعتراف الأستاذ جوزيف شاخت بقوله " وهناك تأثير -للتشريع الإسلامى - مهم آخر، ولكنه ذو صبغة شكلية محضة حدث فى أسبانيا الإسلامية، حيث نجد أن المسيحيين الذين تعربوا وعرفوا باسم المستعربين أخذوا يستعملون فى وثائقهم وعقودهم الصيغ الفنية المتبعة فى الوثائق الإسلامية، واحتفظوا بهذه الطريقة فى مدينة طليطلة لمدة حوالى القرنين بعد أن استعادها النصارى عام 478هـ – 1085م " ().

وأزيد على عبارة الأستاذ شاخت أن التوثيق شمل العقود والأحكام، وقد ذكر المعربان أنه " توجد فى محفوظات كنيسة طليطلة ألوف من وثائق البيوع والتركات، ومختلف المعاملات المالية، وقد درس بعضها أول الأمر المستشرق جين روبلز وقد كان من خيرة المستشرقين الأسبان، ولكنه توفى شابا، وقام بالعمل بعد ذلك أنجل جنذاليس باليينا فدرس بضعة ألوف من هذه الوثائق، ونشرها بنصوصها العربية مع ترجمتها الأسبانية فى أربعة مجلدات فى مدريد 1939م ().

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير