تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

سبقه من أئمة الهدى وأعلام الإسلام، عن غير أمر منهم أو مشورة، بل مع

نهيهم - رضي الله عنهم - عن التقليد.

فكان هذا بدء الضعف، ثم توالت العصور، فإذا المقلد مقلَّد، وإذا الأمر

فوضى، وإذا هم فرق وشيع، وبلغ بهم الأمر إلى التناحر بالسيوف نصرًا لعصبية

المذاهب!

وأمامك تاريخ المسلمين، فسترى فيه توالي الأرزاء والمحن، فكلما بعدوا عن

كتاب ربهم أبعد الله عنهم العز والنصر، وهكذا كان ميزان رقيهم وانحطاطهم.

ولما ضعفت السليقة العربية في المتكلمين بهذه اللغة أنشأ علماء الإسلام

يفسرون لهم كتاب الله، وكلٌّ على قدر همته، فكثرت أنواع التفاسير للسلف

والخلف، متقدمين ومتأخرين، وتراجم العلماء والأئمة بين أيدينا - أو أكثرها، وقد

يندر جدًّا أن نجد منهم مَن لم يؤلف كتابًا في التفسير، فلم تُعْنَ أمة بكتابها من

الوجهة العلمية بمثل ما عنيت الأمة الإسلامية بالقرآن، ولم تفرط أمة في حفظ ما

كُتب شرحًا لكتابها بمثل ما فرطنا. فأين هذه التفاسير الجليلة للأئمة المتقدمين؟!

ذهب أكثرها حتى لم نجد تفسيرًا لرجل من الأئمة المجتهدين إلا تفسير أبي

جعفر الطبري المتوفَّى سنة 310، وما بقي بعده فهو لمؤلفين ممن سموا أنفسهم

مقلدين.

ولقد كان المتقدمون يعنون في أكثر أمرهم بتفسير القرآن بما ورد من أحاديث

مرفوعة، وآثار موقوفة، وباستنباط أحكام الفقه منه، تعليمًا للناس كيف يفهمون

وكيف يصلون إلى الاجتهاد.

ثم ترك المتأخرون ذلك ولم يكن همهم إلا الإطالة في أبحاث لفظية لا جدوى

لها ولا فائدة إلا في النادر والشذوذ.

حتى أن كتب التفسير التي بقيت مشتهرة فيهم وكثيرة بين أيديهم لا يطمئن

الباحث المحقق إلى فهم معنى آية منها، ولا إلى استنباط حكم، بل ولا إلى الثقة

بالنقل، فقد ملأ بعضهم تفسيره بقصص مكذوبة مفتراة وبأحاديث موضوعة، من

غير تحرٍّ في الرواية، ولا استعمال لموهبة العقل السليم.

وبالله، لقد أدْركنا الأزهرَ - وهو المدرسة الإسلامية الفذة في هذا البلد -

يجعل التفسير علمًا لا يُؤْبَه له، وآية ذلك أنهم كانوا يجيزون الطالب بشهادة

(العالِمية) وإن كان لا يفقه في التفسير شيئًا - ما عرف كيف ينبغ في المماحكات

اللفظية.

ولقد قيض الله للإسلام إمامًا من أئمته، وعلمًا من أعلام الهدى، وهو الأستاذ

الإمام الشيخ محمد عبده رحمه الله، فأرشد الأمة الإسلامية إلى الاستمساك بهدي

كتابها، ودلها على الطريق القويم في فهمه وتفسيره، وكان منارًا يُهتدى به في هذه

السبيل، وألقى في الأزهر دروسًا عالية في التفسير، وكان - فيما أظن - يرمي

بذلك إلى أن يسترشد علماء الأزهر بذلك، فينهجوا نهجه، ويسيروا على رسمه،

ولكنهم لم يأبهوا له إلا قليلاً، ولم ينتفع بما سمع منه إلا أفراد أفذاذ، وبقي دهماؤهم

على ما كانوا عليه.

ونبغ من تلاميذه والمستفيدين منه ابنه وخريجه أستاذنا العلامة الجليل السيد

محمد رشيد رضا صاحب (المنار) فلخص للناس دروس الأستاذ الإمام، وزادها

وضوحًا وبيانًا، ونشرها في مجلته الزاهرة المنيرة، وجمعها في أجزاء على أجزاء

القرآن الكريم، ومضى لطيته بعد انتقال الإمام إلى جوار ربه، فكأنه أُلهم من

روحه، لم يكل ولم يضعف، وها هو الآن قد أتم منه أجزاء تسعة، وكثيرًا من

العاشر.

فكان تفسير أستاذنا الجليل خير تفسير طُبع على الإطلاق، ولا أستثني؛ فإنه

هو التفسير الأوحد الذي يبين للناس أوجه الاهتداء بهدي القرآن على النحو الصحيح

الواضح - إذ هو كتاب هداية عامة للبشر - لا يترك شيئًا من الدقائق التي تخفى على

كثير من العلماء والمفسرين.

ثم هو يُظهر الناس على الأحكام التي تؤخذ من الكتاب والسنة، غير مقلد ولا

متعصب، بل على سنن العلماء السابقين: كتاب الله وسنة رسوله. ولقد أوتي

الأستاذ من الاطلاع على السنة ومعرفة عللها وتمييز الصحيح من الضعيف منها -

ما جعله حجة وثقة في هذا المقام، وأرشده إلى فهم القرآن حق فهمه.

ثم لا تجد مسألة من المسائل العمرانية أو الآيات الكونية إلا وأبان حكمة الله

فيها، وأرشد إلى الموعظة بها. وكبت الملحدين والمعترضين بأسرارها. وأعلن

حجة الله على الناس.

فهو يسهب في إزالة كل شبهة تعرض للباحث من أبناء هذا العصر، ممن

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير