به، تشريفًا لقدره وتعظيمًا؛ ولذلك كان يقول صلى الله عليه وسلم: (أنا سيد ولد
آدم يوم القيامة ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما من نبي يومئذ آدم فمن
سواه إلا تحت لوائي) وإشارة إلى عموم بعثته، كما قال الله - تعالى - في كتابه
الكريم:] وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ [
(سبأ: 28) وتعليمًا لأممهم وأتباعهم أن يؤمنوا به ويصدقوه ويقتدوا به كما
اقتدى أئمتهم الأنبياء، ودخلت إمامتهم في إمامته إلى يوم القيامة، فهو إمام الأئمة،
وهو الإمام الأعظم، فمن آمن به من أتباع الأنبياء فقد آمن بهم، ومن لم يؤمن به
فلم يؤمن بواحد منهم، ومصداق ذلك قول الله تعالى:] وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ
لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ
قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ
الشَّاهِدِينَ [(آل عمران: 81). وقوله صلى الله عليه وسلم حين جاءه عمر
بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب فقرأه عليه: (والذي نفسي بيده، لو أن
موسى كان حيًّا ما وسعه إلا أن يتبعني).
أيها السادة:
إن الإسراء والمعراج حادثان من أبرز الحوادث في السيرة المحمدية الشريفة،
وقد دُعيت لأن أتحدث إليكم في شأنهما، وما أراني أهلاً لهذا المقام الخطير،
ولكني على ثقة من إغضائكم عن قصوري وتقصيري عفوًا منكم وفضلاً.
والكلام في شأنهما يدور على أنحاء شتى من القول، أوقن أني عاجز عن
الإحاطة بها واستيعابها، وحسبي أن أقصر قولي على النحو الذي أرجو أن يكون
لي به علم، والذي أظن أنه لي به علم شيء من الاختصاص، وهو البحث في
إثباتهما من الوجهة التاريخية، وأعني بذلك الوجهة الحديثية، إذ أن نسبة أي قول
أو فعل إلى النبي صلى الله عليه وسلم مما يدخل على المحدث، وهو الذي يرجع
إليه في إثباته أو نفيه، بعد تحديد موضوعات العلوم وخصوص كل صنف من
العلماء بما أحسنوه من العلم.
والقواعد التي سار عليها علماء هذا الفن - فن الحديث - هي أصح القواعد
للإثبات التاريخي وأعلاها وأدقها وإن أعرض عنها كثير من الناس وتحاموها
بغير علم ولا بينة، بل إنا لنجد بعض الباحثين يعرضون لإثبات الأحاديث ونفيها
بآرائهم وأهوائهم، ومهما رأوا من شيء نسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان
موافقاً لرأي ينصرونه فهو الحديث الصحيح عندهم وإن كان مكذوبًا موضوعًا،
ومهما رأوا من حديث صحيح ثابت وكان مخالفًا لما تنصره أهواؤهم، فهو الحديث
الضعيف أو المكذوب، وإن كان إسناده من أقوى الأسانيد وأصحها وأثبتها عند
العارفين بها، ولعلهم لم يقرءوا طول حياتهم إسنادًا صحيحًا أو ضعيفًا، ولم يعلموا
قليلاً ولا كثيرًا مما بذله علماء الحديث من الجهد في التحري والتوثق والتتبع
لأحوال الرواية وألفاظ الأحاديث ومعانيها، وما ألفوا في ذلك من الدواوين الكبار
والمعاجم الموسوعة من منتصف القرن الثاني للهجرة إلى أوائل القرن العاشر.
أيها السادة:
قد عني المسلمون بحفظ أسانيد شريعتهم من الكتاب والسنة بما لم تعنَ به أمة
قبلهم؛ فحفظوا القرآن ورووه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم متواترًا، آية آية،
كلمة كلمة، وحرفًا حرفًا، حفظًا في الصدور، وإثباتًا بالكتابة في المصاحف،
حتى رووا أوجه نطقه بلهجات القبائل، ورووا طرق رسمه في الصحف، وألفوا في
ذلك كتبًا؛ لو حدثتكم عن شيء منها لأخذكم العجب، ولعل بعضكم يكون أعلم بها
مني، وحفظ المسلمون أيضًا عن نبيهم كل أقواله وأفعاله وأحواله، وهو المبلغ
عن ربه والمبين لشرعه والمأمور بإقامة دينه، وكل أقواله وأفعاله بيان
للقرآن.
وهو الرسول المعصوم والأسوة الحسنة، اسمعوا قوله - تعالى - في صفته:
] وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى [(النجم: 3 - 4) وقوله:
] وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [(النحل: 44)
¥