ـ[أبوحاتم]ــــــــ[05 - 11 - 03, 02:04 م]ـ
العدد: (53)
وإتماما لما سبق نشره في حلقتين سابقتين في موضوع (رخصة الفطر في سفر رمضان وما يترتب عليه من آثار) بسوق هذه الحلقة الثالثة فيما يلي:
رأي جمهور الفقهاء:
يرى جمهور الفقهاء وهو عدا من ذكرنا في الرأي السابق أن الفطر في السفر خلال شهر رمضان رخصة يجوز الأخذ بها ويجوز تركها والصيام عملا بالعزيمة ..
وأهم الأدلة التي استند إليها هذا الفريق ما يلي:
الأول: قوله تعالى: { .. وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} .. الآية وقد تقدم أن تقرير الآية على رأي هذا الفريق: ومن كان مريضا أو على سفر فأفطر فعليه عدة من أيام أخر ..
كما سبقت الإشارة إلى أن الفريق الأول: يرى أن هذا التقرير من شأنه تخصيص الآية، وليس خناك دليل على التخصيص، بل يجب أن تبقى الآية عامة كما جاءت، وقد سبق الرد عليه مفصلا ..
الثاني: حديث ابن عباس المتقدم في صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح حتى بلغ الكديد ثم أفطر. ثم قول ابن عباس تعليقا عليه: "لقد صام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفطر، فمن شاء صام ومن شاء أفطر" ..
وجه الدلالة فيه من وجهين:
الوجه الأول: أن رسول الله ابتدأ السفر صائما واستمر كذلك حتى لم يبق من انتهاء الرحلة إلا مرحلتين، فلو لم يكن الصوم في السفر جائزا لما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم من أول سفره حتى بلوغه عسفان أو ما حولها ..
الوجه الثاني: أن السفر كان ديدنه صلى الله عليه وسلم قبل هذه الرحلة وبعدها: ففي حديث أبي الدرداء المتقدم " .. وما منا من أحد صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة" [1] ..
وما قيل، من أن فطره في هذه الغزوة، كان ناسخا لجواز الصيام في السفر قبل ذلك .. استنادا إلى ما قيل: من أن آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم الفطر، فغير مسلم. وقد تقدم الرد عليه مفصلا ..
وما جاء من حديث أبي سعيد .. من قوله: "ولقد رأيتنا نصوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك في السفر" [2] واضح في حدوث الصوم بعد هذه الواقعة منه صلى الله عليه وسلم أو من أصحابه مع اطلاعه عليهم وهم صائمون، وهو ما يستفاد من ذكر لفظ ((مع)) في الحديث.
كما هو واضح في بيان أن الفطر الذي حدث منه صلى الله عليه وسلم في هذه الواقعة؟ إنما هو من قبيل أخذه بالرخصة، وليس من قبيل نسخ الجواز.
الدليل الثالث: بيانه صلى الله عليه وسلم أن الفطر في السفر رخصة، وأن الرخصة يجوز الأخذ بها ويجوز تركها والأخذ بالعزيمة، وذلك في حديث حمزة بن عمرو الأسلمي المتقدم .. حيث جاء فيه " .. هي رخصة من الله، فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه" [3].
ولقد جاء في رواية لهذا الحديث أخرجها الحاكم في المستدرك والبيهقي في السنن الكبرى وأبي داود وسكت عنها عن طريق حمزة بن محمد بن حمزة حفيد السائل تبين أن السؤال كان عن صيام شهر رمضان في السفر، إذ جاء فيه "قلت يا رسول الله إني صاحب ظهر أعالجه، أسافر عليه وأكريه، وإنه ربما صادفني هذا الشهر، يعني شهر رمضان وأنا أجد القوة، وأنا شاب، وأجدني أن أصوم يا رسول الله أهون عليَّ من أن أؤخره فيكون دينا أفأصوم يا رسول الله أعظم لأجري أو أفطر، قال: أي ذلك شئت يا حمزة" [4] ..
فهذا الحديث يوضح أن السؤال كان عن صيام شهر رمضان وهو وإن كان ابن حزم وابن حبان، قد ضعفا رواية حمزة بن محمد بن حمزة [5]. إلا أن له شاهدا من حديث حمزة بن عمرو المخرج في الصحيحين وغيرهما ..
وأما على رأي من يقول: إن سؤال حمزة كان عن صيام التطوع فإنه ليس في الحديث ما يشير إلى تخصيص السؤال بذلك
وعلى فرض أن السؤال كان في صيام التطوع؟ فإن العبرة برد الرسول عليه الصلاة والسلام الذي جاء بصيغة عامة تشمل جميع أنواع الصيام سواء كان صيام فرض أو تطوع.
وحتى لو كانت الإجابة تخصص بنوع السؤال وهذا على افتراض أن السؤال كان عن صيام التطوع، فإن هذا الحكم يشمل صيام شهر رمضان من باب أولى، لأنه إذا تكبد الإنسان صيام التطوع في السفر وليس عليه في تركه شيء فإن تكبده الصيام الواجب من باب أولى، لأنه إن تركه سيكون دينا عليه ..
¥