تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد نوقش هذا الحديث، بأن الرخصة المشار إليها فيه قد خرجت من باب التخيير للعبد، إلى وجوب الالتزام بها، إذ جاء في نهاية الحديث "ليس البر أن تصوموا في السفر" زيادة توجب قبولها، وهي قوله صلى الله عليه وسلم: "عليكم برخصة الله التي رخص لكم" [6]

يجاب عن ذلك، بأنه جاء في صحيح مسلم ما يفيد أن هذه الزيادة غير محفوظة، إذ قال شعبة: "وكان يبلغني عن يحي بن أبي كثير أنه كان يزيد في هذا الحديث ليس البر .. الخ وفي هذا الإسناد أنه قال: عليكم برخصة الله الذي رخص لكم. قال: فلما سألته لم يحفظه [7].

وعلى فرض صحة هذه الزيادة، فإنه يجاب عنها بأن الأمر هنا خاص بمثل هذا الرجل الذي ترك الرخصة وفضل عليها إهلاك نفسه أو بمن ترك الرخصة رغبة عنها. ((والله أعلم)).

الدليل الرابع:

عدم إنكاره صلى الله عليه وسلم على من كان يصوم في سفره معه، فقد جاء في حديث أبي سعيد قوله: "كنا نسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فما يعاب على الصائم صومه ولا على المفطر إفطاره" [8].

ومعلوم أن القصد: من ذكر ما يفيد المعية هنا وإيراد: يعاب بصيغة، البناء للمجهول: تأكيد اطلاع الرسول عليه الصلاة والسلام على حالهم وأنه مع ذلك لم يعب على الصائم صومه ولا على المفطر إفطاره ..

ثم إن ذكر أبي سعيد هذا الحديث بلفظ كنا نشعر، بأن ذلك الحال كان دائما، حتى وفاته صلى الله عليه وسلم لأنه صرح بهذا القول بعد وفاته عليه الصلاة والسلام ..

الدليل الخامس: فهم الصحابة رضي الله عنهم رخصة الفطر في السفر وأنها تعني الإباحة لا الوجوب واستمرارهم على هذا الفهم، سواء في حياة الرسول عليه الصلاة والسلام أو بعد وفاته، فمن ذلك:

حديث أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم قالا: "سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصوم الصائم ويفطر المفطر فلا يعيب بعضهم على بعض .. " [9].

وحديث أبي خالد الأحمر عن حميد قال خرجت فصمت فقالوا لي أعد قال: قلت: "إن أنسا أخبرني أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يسافرون فلا يعيب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم، فلقيت ابن أبي مليكة، فأخبرني عن عائشة رضي الله عنها بمثله" [10].

الدليل السادس: حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم في عمرة رمضان فأفطر وصمت وقصر وأتممت، فقال: أحسنت يا عائشة" رواه الدارقطني وقال هذا إسناد حسن وأخرجه النسائي ولم يذكر فيه: خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم في عمرة رمضان ((وجاء في نهايته)) لفظ "وما عاب علي" [11]. ونقله النووي في المجموع واحتج به [12].

وقد ضعف العلماء هذا الحديث: لأن في إسناده العلاء بن زهير عن عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد النخعي عنها، وقد قال ابن حبان في العلاء بن زهير: أولا أنه ثقة. ثم تناقض فيه بعد ذلك فقال: كان يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات فبطل الاحتجاج به فيما لم يوافق الأثبات. وقال ابن حزم: مجهول وقال ابن معين: ثقة وقال عبد الحق: إنه ثقة مشهور والحديث الذي رواه في القصر صحيح، ورجح الذهبي توثيق ابن معين له وأما عبد الرحمن بن الأسود، فقد اختلف في سماعه منها، فقال الدارقطني: أدرك عائشة ودخل عليها وهو مراهق. قال الحافظ ابن حجر: وهو كما قال، ففي تاريخ البخاري وغيرها ما يشهد لذلك. وقال أبو حاتم: أدخل عليها وهو صغير لم يسمع منها, وادعى ابن أبي شيبة الطحاوي ثبوت سماعه منها.

فظهر من أقوال رجال الجرح والتعديل: أن الحديث لا بأس به من جهة السند لأن العبرة كما قال الذهبي: بتوثيق ابن معين للعلاء بن زهير.

كما ثبت سماع عبد الرحمن بن الأسود من عائشة، إذ جاء في تاريخ البخاري أنه كان يدخل عليها وهو صغير دون استئذان فلما احتلم استأذن فعرفت صوته فقالت يا عدو نفسه؟ أفعلتها. قال: نعم يا أمتاه قالت ادخل [13].

وقال البعض: إن حديث عائشة هذا فيه نكارة من جهة المتن، إذ فيه أن عائشة خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم في عمرة رمضان مع أن الثابت أنه صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر ليس منها في رمضان شيء ..

وقد أجيب عن ذلك: بأن هذه العمرة لعلها حدثت في شوال وكان الخروج إليها في رمضان في غزوة الفتح [14] والله أعلم بالصواب.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير