تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والثالث: أن يكون مسترشدا، وكل ما لا يفهم من كلام الأكابر يحمل على قصور فهمه، وكان سؤاله للاستفادة، لكن لكونه بليدا لا يدرك الحقائق، فلا ينبغي الاشتغال بجوابه أيضا، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم" قال العراقي في تخريج أحاديث الإحياء 1\ 57: رويناه في جزء من حديث أبي بكر بن الشخير من حديث عمر أخصر منه وعند أبي داود من حديث عائشة:" أنزلوا الناس منازلهم".

وأما المرض الذي يقبل العلاج، فهو أن يكون مسترشدا عاقلا فهما لا يكون مغلوب الحسد والغضب وحب الشهوة والجاه والمال. ويكون طالب طريق المستقيم، ولم يكن سؤاله واعتراضه عن حسد، وتعنّت وامتحان، وهذا يقبل العلاج، فيجوز أن تشتغل بجواب سؤاله بل يجب عليك إجابته.

والثاني مما تدع: وهو أن تحذر وتحترز من أن تكون واعظا ومذكرا؛ لأن آفته كثيرة إلا ان تعمل بما تقول أولا، ثم تعظ به الناس، فتفكر فيما قيل لعيسى عليه السلام: يا ابن مريم عظ نفسك، فإن اتعظت فعظ الناس، وإلا فاستح من ربك.

وإن ابتليت بهذا العمل فاحترز عن خصلتين:

الأولى: عن التكلف في الكلام بالعبارات والإشارات والطامات والأبيات والأشعار؛ لأن الله تعالى يبغض المتكلفين، والمتكلف المتجاوز عن الحد، يدل على خراب الباطن وغفلة القلب.

ومعنى التذكير: أن يذكر العبد نار الآخرة، وتقصير نفسه في خدمة الخالق ويتفكر في عمره الماضي الذي أفناه فيما لا يعنيه ويتفكر فيما بين يديه من العقبات من عدم سلامة الإيمان في الخاتمة، وكيفية حاله في قبض ملك الموت، وهل يقدر على جواب منكر ونكير؟

ويهتم بحاله في القيامة ومواقفها، وهل يعبلا عن الصراط سالما أم يقع في الهاوية؟

ويستمر ذكر هذه الأشياء في قلبه، فيزعجه عن قراره، فغليان هذه النيران، ونوحة هذه المصائب يسمّى تذكيرا، وإعلام الخلق واطلاعهم على هذه الأشياء، وتنبيههم على تقصيرهم وتفريطهم، وتبصيرهم بعيوب أنفسهم لتمسّ حرارة هذه النيران أهل المجلس، وتجزعهم تلك المصائب ليتداركوا العمر الماضي بقدر الطاقة، ويتحسّروا على الأيام الخالية في غير طاعة لله تعالى.

هذه الجملة على هذا الطريق اسمى وعظا، كما لو رأيت أن السيل قد هجم على دار أحد، وكان هو وأهله فيها فتقول: الحذر الحذر فروا من السيل!! وهل يشتهي قلبك في هذه الحالة أن تخبر صاحب الدار خرك بتكلف العبارات، والنكت والإشارات؟ فلا يشتهي البتة؛ فكذلك حال الواعظ فينبغي أن يجتنبها.

الخصلة الثانية: ألا تكون همّتك في وعظك أن ينفر الخلق في مجلسك ويظهروا الوجد، ويشقوا الثياب، ليقال: نعم المجلس هذا؛ لأن كله ميل للدنيا والرياء، وهو يتولد من الغفلة، بل ينبغي أن يكون عزمك وهمّتك أن تدعو الناس من الدنيا الى الآخرة، ومن المعصية الى الطاعة، ومن الحرص الى الزهد، ومن البخل الى السخاء، ومن الغرور الى التقوى، وتحبب إليهم الآخرة، وتبغّض إليهم الدنيا، وتعلمهم علم العبادة والزهد؛ لأن الغالب على طباعهم الزيغ عن نهج الشرع، والسعي فيما لا يرضى الله تعالى به، والاشتغال بالأخلاق الرّدية، فألق في قلوبهم الرعب، وروّعهم، وحذرهم عما يساقبلون من المخاوف؛ لعل صفات باطنهم تتغير، ومعاملة ظاهرهم تتبدل، ويظهروا الحرص والرغبة في الطاعة والرجوع عن المعصية، وهذا طريق الوعظ والنصيحة، وكل وعظ لا يكون هكذا فهو وبال على من قال ويسمع، بل قيل: إنه غول وشيطان، يذهب بالخلق عن الطريق ويهلكهم، فيجب عليهم أن يفروا منه؛ لأن ما يفسد هذا القائل من دينهم، لا يستطيع بمثله الشيطان، ومن كان له يد وقدرة يجب عليه أن ينزله عن منابر المسلمين ويمنعه عما باشره، فإنه من جملة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

والثالث مما تدع: أنه لا تخالط الأمرء والسلاطين ولا ترهم، لأن رؤيتهم ومجالستهم ومخالطتهم آفة عظيمة، ولو ابتليت بها دع عنك مدحهم وثناءهم، لأن الله تعالى يغضب إذا مدح الفاسق والظالم، ومن دعا لطول بقائهم فقد أحبّ أن يعصى الله في أرضه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير