وقد قال بعض أهل العلم إذا أفتى الصحابي بغير ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فالعبرة بروايته لا بفتواه، وعلى ذلك فإرشاد عائشة رضي الله عنها إلى الإطعام بدلا عن الصيام أو نهيها عن الصيام وأمرها بالإطعام لا يؤثر على صحة الحديث، وعلى قوة الاحتجاج به،
2 - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها، فقال: "لو كان على أمك دين أكنت قاضيه عنها، قال: نعم، قال: "فدين الله أحق أن يقضى " [55]،
وفي رواية أخرى عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضا: " أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أمي ماتت وعليها صوم شهر فقال: "أرأيت لو كان عليها دين أكنت تقضيه؟ " قالت: نعم، قال: "فدين الله أحق بالقضاء " [56].
وقد ضعف بعض العلماء هذا الحديث، بما رواه عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لا يصوم أحد عن أحد ويطعم عنه [57].
وبما رواه البيهقي بسنده إلى محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن ابن عباس في الإطعام عمن مات وعليه صيام شهر رمضان وصيام شهر نذر، وفي رواية ميمون بن مهران عن ابن عباس ورواية أبي حصين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال في صيام شهر رمضان أطعم عنه وفي النذر قضى عنه وليه،
ثم قال البيهقي: وفي نسبة ذلك إلى ابن عباس نظر [58].
وقد أجاب صاحب الجوهر، على تشكك البيهقي حول نسبة الإطعام إلى ابن عباس بدلا من الصيام، بما رواه النسائي في سننه، عن عطاء عن ابن عباس قال: لا يصلي أحد عن أحد ولا يصوم أحد عن أحد، ولكن يطعم عنه مكان كل يوم مد من حنطة، ثم قال: وهذا سند صحيح على شرط الشيخين خلا ابن عبد الأعلى فإنه على شرط مسلم [59].
ومن جهة أخرى، فإن الشافعي، قد اعتذر عن العمل بحديث ابن عباس الوارد في القضاء بالصيام عن الميت، وقال: إنه أشبه ألا يكون محفوظا، وذلك لأن الزهري قد حدث عن عبيد الله عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: نذرا ولم يسمه [60]. مع حفظ الزهري وطول مجالسة عبيد الله لابن عباس، فلما جاء غيره عن رجل عن ابن عباس يغير ما في حديث عبيد الله، أشبه ألا يكون محفوظا، فإن قيل أتعرف الذي جاء بهذا الحديث يغلط عن ابن عباس، قيل نعم [61]،.
فقد أجيب عن ذلك بأن الظاهر تعدد القصة، أي أن القصة التي سئل فيها صلى الله عليه وسلم عن الصوم تصريحا، غير قصة سعد بن عبادة التي سأل فيها عن المنذر مطلقا، و يتأيد ذلك بحديث عائشة في الصحيحين والذي أوردنا في صدر أدلة هذا الفريق،
3 - عن بريدة قال: بينا أنا جالس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتته امرأة، فقالت: يا رسول الله: إني تصدقت على أبي بجارية، وأنها ماتت، فقال: وجب أجرك وردها عليك بالميراث، قالت: يا رسول الله، انه كان عليها صوم شهر أفأصوم عنها؟ قال: "صومي عنها ". قالت: إنها لم تحج قط أفأحج عنها؟ قال: "حجي عنها " [62].
4 - عن ابن عباس رضي الله عنهما: " أن امرأة ركبت البحر فنذرت إن نجاها الله أن تصوم شهرا فنجاها الله سبحانه وتعالى، فل تصم حتى ماتت، فجاءت ابنتها أو أختها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرها أن تصوم عنها " ورجاله رجال الصحيح [63].
أما الفريق الثالث: فيرى أن من مات وعليه صيام وقد فرط فيه، فإنه يصام عنه النذر ويطعم عن صيام رمضان،
وقد قال بهذا الرأي: أحمد وإسحاق ونقل عن ابن عباس [64].
ومن أهم الأدلة استند إليها هذا الفريق:
1 - ما رواه أبو داود في سننه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من مات وعليه صيام صام عنه وليه" وقد أشرنا من قبل إلى أنه مروى في الصحيحين، إلا أن موضع الشاهد هنا: أن أبا داود بعد أن ذكر هذا الحديث في سننه عقبه بقوله: هذا في النذر وهو قول أحمد بن حنبل [65].
وهذا القول منه، تخصيص لعموم الحديث حتى يتفق مدلوله مع الأدلة الأخرى التي نص فيها على أن الميت إن كان عليه صيام نذر صام عنه وليه والأصل في النصوص الشرعية العامة أنها تبقى على عمومها حنى تقوم قرينة تفيد التخصيص،
¥