هَذَا نَقْلٌ مِنْ كِتَابِ اِبْنِ بَدْرَانَ يُبَيِّنُ لَنَا حَقِيقَةَ مُعْتَقَدِهِ اَلسَّلِيمِ, وَمَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ قَبْلُ, وَقَدْ قَرَّرَ عَقِيدَتَهُ فِي أَكْثَرِ مِنْ مَوْضِعٍ مِنْ كُتُبِهِ, فَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا مَا قَالَهُ فِي مَعْرِضِ كَلَامٍ لَهُ حَوْلَ شَرْطِ وَاقِفِ اَلْمَدْرَسَةِ الرَّوَاحِيَة بِدِمَشْقَ حَيْثُ قَالَ: " قَالَ اَلْحَافِظُ اَلذَّهَبِيُّ: إِنَّ وَاقِفَ الرَّوَاحِيَةِ اِشْتَرَطَ عَلَى مَنْ يُقِيمُ بِهَا مِنَ اَلْفُقَهَاءِ وَالْمُدَرِّسِينَ شُرُوطًا صَعْبَةً, لَا يُمْكِنُ اَلْقِيَامُ بِبَعْضِهَا. وَلَمْ يُبَيِّنْ اَلذَّهَبِيُّ تِلْكَ اَلشُّرُوطِ. ثُمَّ قَالَ: وَشَرْطٌ أَنْ لَا يَدْخُلَ مَدْرَسَتَهُ يَهُودِيٌّ, وَلَا نَصْرَانِيٌّ وَلَا حَنْبَلِيٌّ حَشَوِيٌّ.انْتَهَى ".
فَاشْتِرَاطُهُ عَدَمُ دُخُولِ اَلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى إِلَى مَدْرَسَتِهِ عِلَّةٌ مَفْهُومَةٌ, وَأَمَّا اِشْتِرَاطُهُ عَدَمُ دُخُولِ حَنْبَلِيٍّ حَشَوِيٍّ, فَلَيْسَ بِمَفْهُومٍ; لِأَنَّ اَلْحَنَابِلَةَ لَا يَتَّصِفُونَ بِهَذِهِ اَلصِّفَةِ, وَهَذَا مِنْ اَلتَّعَصُّبِ اَلنَّاشِئِ عَنِ اَلْجَهْلِ, وَالسَّعْي فِي تَفْرِيقِ اِجْتِمَاعِ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ اَلْمُحَمَّدِيَّةِ.
وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِالْحَشَوِيَّةِ اَلَّذِينَ يَقْرَءُونَ آيَاتٍ اَلصِّفَاتِ, وَيَقُولُونَ: نُمِرُّهَا كَمَا جَاءَتْ, وَنَكِلُ تَفْسِيرَهَا إِلَى اَللَّهِ -تَعَالَى- مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ وَلَا تَشْبِيهٍ وَلَا تَعْطِيلٍ. فَالِاسْتِوَاءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: â اَلرَّحْمَنُ عَلَى اَلْعَرْشِ اِسْتَوَى ل () طَه:5 اِسْتِوَاءٌ يَلِيقُ بِذَاتِهِ تَعَالَى لَا نَعْلَمُ حَقِيقَتَهُ; لَأَنَا إِذَا فَسَّرْنَاهُ بِقَوْلِنَا: اِسْتَوْلَى, نَكُونُ أَخْطَأْنَا; لِأَنَّ مَنِ اِسْتَوْلَى عَلَى شَيْءٍ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ خَارِجًا عَنْ يَدِهِ قَبْلَ اِسْتِيلَائِهِ عَلَيْهِ, كَمَا يُشِيرُ إِلَيْهِ قَوْلُ اَلشَّاعِرِ:
مِنْ غَيْرِ سَيْفٍ أَوْ دَمٍ مُهْرَاقِ قَدِ اِسْتَوْلَى بِشْرٌ عَلَى اَلْعِرَاقِ
وَمَعْنَاهُ أَنَّ بِشْرًا اِسْتَوْلَى عَلَى اَلْعِرَاقِ, وَاسْتَخْلَصَهَا مِنْ يَدِ غَيْرِهِ, بِدُونِ سَلِّ سَيْفٍ, أَوْ إِرَاقَةِ دَمٍ. وَتَعَالَى اَللَّهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ اِسْتَوْلَى عَلَى مُلْكِهِ بِهَذِهِ اَلصِّفَةِ, وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِي اَلسَّمِيعِ وَالْبَصِيرِ وَأَشْبَاهِهِمَا: إِنَّ اَللَّهَ أَثْبَتَ لِنَفْسِهِ صِفَةَ اَلسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْكَلَامِ, وَأَخْبَرَنَا فِي كِتَابِهِ اَلْعَزِيزِ بِأَنَّهُ مُتَّصِفٌ بِذَلِكَ, وَلَكِنَّنَا لَا نَعْلَمُ حَقِيقَةَ تِلْكَ اَلصِّفَاتِ. وَلَيْسَ يَجِبُ عَلَيْنَا إِلَّا أَنْ نُؤْمِنَ بِهَا وَنَتْرُكُ عَلَمِهَا إِلَى اَلْمُتَّصِفِ بِهَا ... " ()
هَذَا جَانِبٌ مِنْ عَقِيدَتِهِ, وَهُنَاكَ جَانِبٌ آخَرُ لَا يَقِلُّ عَنْهُ أَهَمِّيَّةٌ, أَلَا وَهُوَ نَبْذُ اَلْخُرَافَةِ وَالْبِدَعِ اَلْمُنْكَرَةِ مِنَ اَلصُّوفِيَّةِ اَلَّتِي تَخْتَلِقُ اَلْكَرَامَات وَتَنْقُلُهَا عَنْ أَقْطَابِهَا.
فَمِنْهُ قَوْلُهُ - رَحِمَهُ اَللَّهُ تَعَالَى -: ". . . أَقُولُ: إِنَّ نَقْلَ اَلْكَرَامَاتِ أَصْبَحَ أَمْرًا عَسِيرًا; لِأَنَّ أَصْحَابَ اَلرَّجُلِ يَسْتَعْمِلُونَ اَلْغُلُوُّ دَائِمًا, وَالْأَخْبَارُ تَحْتَمِلُ اَلصِّدْقَ وَالْكَذِبَ.
وَكَثِيرًا مَا أَرَى كَرَامَةً لِرَجُلٍ قَدْ نَسَبَهَا لَهُ اَلْمُتَأَخِّرُونَ, ثُمَّ أَرَاهَا بِعَيْنِهَا فِي تَرْجَمَةِ مَنْ قَبْلَهُ وَمَنْ قَبْلَهُ.
¥