وَأَمَّا مَذْهَبُهُ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ اَلْحَنْبَلِيّ: "… وَكَانَ شَافِعِيًّا, ثُمَّ تَحَنْبَلَ, وَسَبَبُ ذَلِكَ - كَمَا قَالَ بَعْضُ اَلْخَوَّاصِ عَنْهُ -: كُنْتُ فِي أَوَّلِ عُمْرِي مُلَازِمًا اَلْإِمَامَ اَلشَّافِعِيَّ -رَحِمَهُ اَللَّهُ- سَالِكًا فِيهِ سَبِيلَ اَلتَّقْلِيدِ, ثُمَّ مَنَّ اَللَّهُ عَلَيَّ فَحَبَّبَ إِلَيَّ اَلِاطِّلَاعَ عَلَى كُتُبِ اَلتَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَشُرُوحهَا وَأُمَّهَاتِ كُتُبِ اَلْمَذَاهِبِ 30 اَلْأَرْبَعَةِ, وَعَلَى مُصَنَّفَاتِ شَيْخِ اَلْإِسْلَامِ وَتِلْمِيذِهِ اَلْحَافِظِ اِبْنِ اَلْقَيِّمِ, وَعَلَى كُتُبِ اَلْحَنَابِلَةِ, فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ فَتَحَ اَللَّهُ بَصِيرَتِي وَهَدَانِي لِلْبَحْثِ عَنْ اَلْحَقِّ مِنْ غَيْرِ تَحَزُّبٍ لِمَذْهَبٍ دُونَ مَذْهَبٍ, فَرَأَيْتُ أَنَّ مَذْهَبَ اَلْحَنَابِلَةِ أَشَدُّ تَمَسُّكًا بِمَنْطُوق اَلْكِتَابِ اَلْعَزِيزِ وَالسُّنَّةِ اَلْمُطَهَّرَةِ وَمَفْهُومِهَا, فَكُنْتُ حَنْبَلِيًّا مِنْ ذَلِكَ اَلْوَقْتِ ". ()
وَقَدْ قَامَ ـ رَحِمَهُ اَللَّهُ تَعَالَى ـ بِخِدْمَةِ اَلْمَذْهَبِ اَلْحَنْبَلِيِّ وَكُتُبِهِ خِدْمَةً جَلِيلَةً بِتَأْلِيفٍ مَاتِعٍ أَلَا وَهُوَ "اَلْمَدْخَلُ إِلَى مَذْهَبِ اَلْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ " وَمَا مِنْ دَارِسٍ لِمَذْهَبِ اَلْحَنَابِلَةِ إِلَّا وَاسْتَفَادَ مِنْهُ, كَيْفَ لَا وَقَدْ تَحَدَّثَ اِبْنُ بَدْرَانَ فِي كِتَابِهِ هَذَا عَنْ كُتُبِ اَلْحَنَابِلَةِ وَمُؤَلِّفِيهَا, وَوَصَفَهَا وَصْفَ اَلْعَارِفِ بِهَا اَلْخَبِيرِ بِفَحْوَاهَا, إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ اَلْمَقَاصِدِ اَلَّتِي أَلَّفَ مِنْ أَجْلِهَا اَلْكِتَابِ ().
كَمَا أَنَّهُ أَبْدَى أَسْفَهُ اَلشَّدِيدَ فِي اِضْمِحْلَالِ هَذَا اَلْمَذْهَبِ مِنْ بِلَادِهِ فَقَالَ: ". . . مَعَ أَنَّهُ تَمْضِيَ عَلِيَّ اَلشُّهُورُ بَلِ اَلْأَعْوَامُ, وَلَا أَرَى أَحَدًا يَسْأَلُنِي عَنْ مَسْأَلَةٍ فِي مَذْهَبِ اَلْإِمَامِ أَحْمَدَ; لِانْقِرَاضِ أَهْلِهِ فِي بِلَادِنَا, وَتَقَلُّصِ ظِلُّهِ مِنْهَا… " ().
مَحَبَّتُهُ لِأَهْلِ نَجْدٍ وَعَلَاقَتُهُ بِهِمْ
إِنَّ اَلْعَقِيدَةَ اَلسَّلَفِيَّةَ وَالتَّوْحِيدَ اَلْخَالِصَ قَدْ جَمَعَ بَيْنَ اِبْنِ بَدْرَانَ وَإِخْوَانِهِ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ, كَمَا أَنَّ نُصْرَتَهُمْ لِهَذَا اَلْمَنْهَجِ وَنَشْرَهُمْ لَهُ قَدْ أَثْلَجَ صَدْرَ اِبْنِ بَدْرَانَ -رَحِمَهُ اَللَّهُ- وَهُنَاكَ أَمْرٌ آخَرُ أَلَا وَهُوَ عِنَايَتُهُمْ بِفِقْهِ اَلْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ـ رَحِمَهُ اَللَّهُ ـ وَنَشْرِ كُتُبِهِ.
يَقُولُ اِبْنُ بَدْرَانَ حِينَمَا ذَكَرَ كِتَابَ "مُخْتَصَرِ اَلشَّرْحِ اَلْكَبِيرِ وَالْإِنْصَافِ " لِلْإِمَامِ اَلْمُجَدِّدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اَلْوَهَّابِ ـ رَحِمَهُ اَللَّهُ تَعَالَى ـ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ اَلشَّيْخَ وَطَلَبَهُ لِلْعِلْمِ: ". . . وَلَمَّا اِمْتَلَأَ وَطَابَهُ مِنَ اَلْآثَارِ وَعِلْمِ اَلسُّنَّةِ, وَبَرَعَ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ, أَخَذَ يَنْصُرُ اَلْحَقُّ, وَيُحَارِبُ اَلْبِدَعَ, وَيُقَاوِمُ مَا أَدْخَلَهُ اَلْجَاهِلُونَ فِي هَذَا اَلدِّينِ اَلْحَنَفِيِّ وَالشَّرِيعَةِ اَلسَّمْحَاءِ. وَأَعَانَهُ قَوْمٌ, وَأَخْلَصُوا اَلْعِبَادَةَ لِلَّهِ وَحْدَهُ عَلَى طَرِيقَتِهِ اَلَّتِي هِيَ إِقَامَةُ اَلتَّوْحِيدِ اَلْخَالِصِ, وَالدَّعَايَةِ إِلَيْهِ, وَإِخْلَاصِ اَلْوَحْدَانِيَّةِ وَالْعِبَادَةِ كُلِّهَا بِسَائِرِ أَنْوَاعِهَا لِخَالِقِ اَلْخَلْقِ وَحْدَهُ, فَحَبَا إِلَى مُعَارَضَتِهِ أَقْوَامٌ أَلِفُوا اَلْجُمُودَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ اَلْآبَاءُ, وتَدَرَّعُوا بِالْكَسَلِ عَنْ طَلَبِ اَلْحَقِّ, وَهُمْ لَا يَزَالُونَ إِلَى اَلْيَوْمِ يَضْرِبُونَ عَلَى ذَلِكَ اَلْوِتْرِ, وَجُنُودُ اَلْحَقِّ تُكَافِحُهُمْ فَلَا تُبْقِي مِنْهُمْ وَلَا تَذَرُ, وَمَا أَحَقُّهُمْ بِقَوْلِ اَلْقَائِلِ:
فَلَمْ يَضِرْهَا وَأَعْيَا قَرْنَهُ اَلْوَعْلُ كَنَاطِحِ صَخْرَةٍ يَوْمًا لِيُوهِنَهَا
¥