وَلَمْ يَزَلْ مُثَابِرًا عَلَى اَلدَّعْوَةِ إِلَى دِينِ اَللَّهِ -تَعَالَى- حَتَّى تَوَفَّاهُ اَللَّهُ تَعَالَى سَنَةَ سِتٍّ وَمِئَتَيْنِ وَأَلْفٍ. . . " ().
وَحِينَمَا ذَكَرَ اَلْكُتُبَ اَلْمَشْهُورَةَ فِي اَلْمَذْهَبِ اَلْحَنْبَلِيِّ وَبَيَانَ طَرِيقَةِ بَعْضِهَا قَالَ ". . . وَلَوْلَا أَمَلِي بِنَفْعِ سُكَّانِ جَزِيرَةِ اَلْعَرَبِ مِنَ اَلْحَنَابِلَةِ لَمَّا حَرَّكْتُ ـ فِيمَا رَأَيْتُ مِنْ اَلْفَوَائِدِ قَلَمًا-, وَلَا خَاطَبْتُ رَسْمًا مِنْهَا وَلَا طَلَلاً, وَلَكِنْ إِنَّمَا اَلْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ, وَاَللَّهُ مُطَّلِعٌ عَلَى اَلسَّرَائِرِ.
نَعَمْ إِنَّ كَثِيرًا مِنْ سُكَّانِ اَلْجَزِيرَةِ وَخُصُوصًا أَهْلَ نَجْدٍ ـ أَكْثَرَ اَللَّهُ مِنْ أَمْثَالِهِمْ ـ يَبْذُلُونَ اَلْآنَ اَلنَّفِيسَ وَالنَّفِيسَ بِطَبْعِ كَتَبِ هَذَا اَلْمَذْهَبِ, وَيُحْيُونَ رُفَاةَ اَلْكُتُبِ اَلْمُنْدَرِسَةِ مِنْهُ, فَأَحْبَبْتُ مُشَارَكَتَهُمْ فِي هَذَا اَلْأَجْرِ, وَأَقْدَمْتُ عَلَى ذِكْرِ اَلْكُتُبِ اَلْمَشْهُورَةِ, لِيَتَنَبَّهَ أَهْلُ اَلْخَيْرِ إِلَيْهَا, فَيُبْرِزُونَهَا مَطْبُوعَةً طَبْعًا حَسَنًا; لِيَنْتَفِعَ بِهَا أَهْلُ هَذَا اَلْمَذْهَبِ وَغَيْرِهِمْ, كَمَا هِيَ عَادَتُهُمْ فِي عَمَلِ اَلْخَيْرِ ().
وَقَالَ أَيْضًا: "فَمِنْ ثَمَّ تَقَلَّصَ ظِلُّهُ ـأَيْ مَذْهَبُ اَلْحَنَابِلَةِ ـ مِنْ بِلَادِنَا اَلسُّورِيَّةِ وَخُصُوصًا دِمَشْقَ إِلَّا قَلِيلاً, وَأَشْرَقَ نُورُهُ فِي اَلْبِلَادِ اَلنَّجْدِيَّةِ مِنْ جَزِيرَةِ اَلْعَرَبِ, وَهَبَّ قَوْمٌ كِرَامٌ مِنْهُمْ لِطَبْعِ كُتُبِهِ, وَأَنْفَقُوا اَلْأَمْوَالَ اَلطَّائِلَةَ لِإِحْيَاءِ هَذَا اَلْمَذْهَبِ لَا يَطْلُبُونَ بِذَلِكَ إِلَّا وَجْهَ اَللَّهِ -تَعَالَى-, وَلَا يَقْصِدُونَ إِلَّا أَحْيَاءَ مَذْهَبِ اَلسَّلَفِ, وَمَا كَانَ عَلَيْهِ اَلصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ. فَجَزَاهُمْ اَللَّهُ خَيْرًا وَأَحْسَنَ إِلَيْهِمْ " ().
وَقَدْ ذَكَرَ أَنَّ بَعْضَ اَلْفُضَلَاءِ مِنْهُمْ زَارُوهُ وَطَلَبُوا مِنْهُ أَنْ يَشْرَحَ "رَوْضَةَ اَلنَّاظِرِ" لِابْنِ قُدَامَةَ, فَأَجَابَ إِلَى طَلَبَتِهِمْ, فَقَالَ بَعْدَ كَلَامٍ حَوْلَ اَلْأُصُولِ:". . . إِلَى أَنْ زَارَنِي جَمَاعَةٌ مِنْ أَفْضَلِ اَلْحَنَابِلَةِ اَلنَّجْدِيِّينَ, وَطَلَبُوا مِنِّي أَنْ أَخْتَارَ لَهُمْ كِتَابًا فِي أُصُولِ مَذْهَبِ إِمَامِ اَلْأَئِمَّةِ وَنَاصِر اَلسُّنَّةِ, اَلْإِمَامِ اَلْمُبَجَّلِ, اَلْحَبْرِ اَلْمُفَضَّلِ, اَلْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ بْنِ حَنْبَلٍ -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ وَجَعَلَ اَلْجَنَّةَ مُنْقَلَبَهُ وَمَثْوَاهُ- ; لِيَشْتَغِلَ بِهِ طُلَّابُ هَذَا اَلْفَنِّ, فَأَرْشَدَتْهُمْ إِلَى كِتَابِ "رَوْضَةِ اَلنَّاظِرِ وَجَنَّةِ اَلْمَنَاظِرِ" لِأَحَدِ اَلْأَئِمَّةِ اَلْأَعْلَامِ, اَلْفَقِيهِ اَلْأُصُولِيِّ اَلْمُحَقِّقِ اَلزَّاهِدِ مُوَفَّقِ اَلدِّينِ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ بْنِ قُدَامَةَ اَلْمَقْدِسِيِّ اَلصَّالِحِيِّ اَلْحَنْبَلِيِّ; لِمَا هُوَ مُتَّصِفٌ بِهِ مَعَ اِخْتِصَارِهِ مِنْ اَلنَّفْعِ اَلْجَزِيلِ وَالْفَوَائِدِ اَلْكَثِيرَةِ.
ثُمَّ إِنَّهُمْ بَعْدَ أَنْ قَبِلُوا اِخْتِيَارَهُ أَلَحُّوا بِأَنْ أَكْتُبَ عَلَيْهِ مَا عَسَاهُ يَكْشِفُ مَا يُشْكِلُ مِنْ مَطَالِبِهِ, وَيُذَلِّلُ مَا يَسْتَعْصِي فَهْمُهُ عَلَى طَالِبِهِ, فَأَجَبْتُ مُقْتَرَحَهمْ مُسْتَعِينًا بِاَللَّهِ -تَعَالَى- وَأَخَذْتُ بِكِتَابَةِ تَعْلِيقَاتٍ عَلَيْهِ تُقَرِّبُ مَا نَأَى مِنَ اَلْمَطَالِبِ, وَتَفْتَحُ بَابَ تِلْكَ اَلرَّوْضَةِ لِكُلِّ طَالِبٍ. . . " ()
كَمَا أَنَّهُ - رَحِمَهُ اَللَّهُ تَعَالَى - لَمَّا رَأَى اِهْتِمَامَهُمْ بِالْفَرَائِضِ أَلَّفَ كِتَابَهُ "الْبَدْرَانِيُّةُ شَرْحُ اَلْمَنْظُومَةِ الفَارِضِيَّةِ" وَقَدْ طُبِعَ عَلَى نَفَقَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ القَرْعَاوِيّ.
¥