إِلَّا أَنَّ اَلْفَرَحِ بِهَذِهِ اَلنُّسْخَةِ لَمْ يَتِمَّ, فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ مِنْ نُسْخَةِ اَلْعَلَّامَة اِبْنِ دَحْيَانَ حَيْثُ قَالَ اَلنَّاسِخُ فِي آخِرِ اَلنُّسْخَةِ: "هَذِهِ اَلتَّرْجَمَةُ -أَيْ تَرْجَمَةُ الْبَلْبَانِيِّ- لِلشَّيْخِ اَلْعَالِمِ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ خَلَفٍ اَلْكُوَيْتِيِّ, كَتَبَهَا عَلَى اَلنُّسْخَةِ اَلَّتِي نَقَلْنَاهَا عَنْهَا جَزَاهُ اَللَّهُ خَيْرًا". وَقَدْ نُسِخَتْ فِي 1339هـ. وَعَلَيْهِ فَإِنِّي لَمْ أَعْتَمِدْ عَلَيْهَا, وَاسْتَأْنَسْتُ بِنُسْخَةِ اَلشَّرْحِ "كَشْفُ اَلْمُخَدَّرَاتِ" ; وَكَذَا أَصْلُ اَلْكِتَابِ "كَافِي اَلْمُبْتَدِي".
وَقَدْ جَعَلْتُ نُسْخَةَ اَلْمُصَنَّفِ هِيَ اَلْأَصْلَ وَقَابَلْتُهَا بِبَقِيَّةِ اَلنُّسَخِ, وَنَبَّهْتُ عَلَى اَلْفُرُوقِ اَلْمُهِمَّةِ, أَمَّا حَاشِيَةُ اَلْعَلَّامَة اِبْنِ بَدْرَانَ فَإِنِّي قَدْ لَقِيتُ فِي بَعْضِهَا شَيْئًا مِنْ اَلنَّصَبِ ; إِذْ كَانَتْ بَعْضُ أَرْقَامِ اَلْحَوَاشِي تُوضَعُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا مِمَّا يَعْسُرَ أَحْيَانًا تَمْيِيزُهُ ; مَعَ بَعْضِ أَخْطَاءٍ مَطْبَعِيَّةٍ, وَلَكِنْ تَمَّ بِحَمْدِ اَللَّهِ اَلتَّغَلُّبُ عَلَيْهَا, وَلَمْ أُرِدْ أَنْ أُثْقِلَ هَذَا اَلْمَتْنَ اَلْمُخْتَصَرَ بِالتَّعْلِيقَاتِ ; حِفَاظًا عَلَى مَقْصِدِ اَلْمُؤَلِّفِ فِي اِخْتِصَارِهِ, وَاكْتِفَاءً بِتَعْلِيقَاتِ اَلْعَلَّامَة اِبْنِ بَدْرَانَ ; إِلَّا أَنِّي وَثَّقْتُ اَلنُّقُولَ اَلَّتِي فِي حَاشِيَتِهِ بِالْإِحَالَةِ إِلَى مَصَادِرِهَا, وَتَخْرِيجِ مَا فِيهَا مِنْ اَلْأَحَادِيثِ عَلَى قِلَّتِهَا, وَحَرَصْتُ عَلَى ضَبْطِ أَكْثَرِ كَلِمَاتِ اَلْمَتْنِ بِالشَّكْلِ لِئَلَّا يَحْصُلَ لَبْسٌ فِي اَلْقِرَاءَةِ. هَذَا هُوَ جُهْدُ اَلْمُقِلِّ, وَاَللَّهَ أَسْأَلُ اَلنَّفْعَ بِهِ.
مُقَدِّمَةُ اَلْعَلَّامَة اَلْإِمَامِ اَلشَّيْخِ عَبْدِ اَلْقَادِرِ بَدْرَانَ
بِسْمِ اَللَّهِ اَلرَّحْمَنِ اَلرَّحِيمِ
اَللَّهُمَّ يَا وَاهِبَ اَلْعَقْلِ فَقِّهْنَا فِيمَا أَنْزَلْتَهُ عَلَى أَنْبِيَائِكَ, وَأَفِضْ عَلَى قُلُوبِنَا أَسْرَارَ شَرْعِكِ حَتَّى نُشَاهِدَ بِهِ آثَارَ رَحْمَتِكَ وَبَدِيعَ آلَائِكَ, وَصَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى جَمِيعِ رُسُلِكَ وَأَصْفِيَائِكَ, خُصُوصًا نَبِيَّكَ صَاحِبَ اَلْمَقَامِ اَلْمَحْمُودِ اَلْمُرْسَلَ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ, وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَيَقُولُ -اَلْمُفْتَقِرُ لِرَحْمَةِ رَبِّهِ اَلْمَنَّانِ- عَبْدُ اَلْقَادِرِ بْنُ أَحْمَدَ البَدْرَانِيُّ اَلْمَعْرُوفُ بِابْنِ بَدْرَانَ: لَمَّا كَانَ مَذْهَبُ إِمَامِ أَهْلِ اَلسُّنَّةِ وَقَامِعِ اَلْبِدْعَةِ اَلْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ اَلْعَرَبِيِّ اَلْأَصْلِ, قَدْ كَادَ ظِلُّهُ يَتَقَلَّصُ مِنْ بِلَادِنَا اَلسُّورِيَّةِ, مَعَ أَنَّهُ هُوَ اَلْمَذْهَبُ اَلْمَبْنِيُّ عَلَى اَلدَّلِيلِ اَلْخَالِي عَنِ اَلرَّأْيِ وَالتَّأْوِيلِ, قَامَ بِنُصْرَتِهِ أُمَرَاءُ جَزِيرَةِ اَلْعَرَبِ وَذَوُو اَلْيَسَارِ مِنْهُمْ قِيَامًا لَمْ يَسْبِقْ لَهُ نَظِيرٌ مُنْذُ أَعْصَارٍ, فَأَنْفَقُوا اَلْأَمْوَالَ اَلطَّائِلَةَ فِي نَشْرِ كُتُبِهِ وَطَبْعِهَا, كَشَرْحَيِ "اَلْإِقْنَاعِ " و"اَلْمُنْتَهَى", و"اَلْمُقْنِعِ ", وَكَكِتَابِ "اَلْمُغْنِي", و"شَرَحِ اَلْمُقْنِعِ اَلْكَبِيرِ" اَلْمُسَمَّى "بِالشَّافِي", و "اَلْفُرُوعِ ", وَأَمْثَالِ هَذِهِ اَلْكُتُبِ, فَلَبِسَ هَذَا اَلْمَذْهَبُ بِذَلِكَ فِي عَصْرِنَا ثَوْبًا قَشِيبًا, وَفُتِحَ اَلْبَابُ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ فَتْحًا عَجِيبًا, وَعَلِمَ اَلْمَهَرَةُ مِنْ أَصْحَابِهِ كَيْفَ تُؤْخَذُ اَلْأَحْكَامُ مِنَ اَلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ, وَكَيْفَ تُسْتَنْبَطُ اَلْفُرُوعُ مِنَ اَلْأُصُولِ , وَحَصَّلَ اَلنَّاظِرُ فِي "اَلْمُغْنِي", "وَالشَّافِي", "وَالْفُرُوعِ" عِلْمًا بِمَسَالِكِ اَلْمَذَاهِبِ اَلْمُتَدَاوَلَةِ وَالْمُنْدَرِسَةِ وَبِمَسَائِلِهَا, فَهَبَّ اَلْمُتَمَذْهِبُونَ بِهِ فِي دِيَارِنَا مِنْ رَقْدَتِهِمْ وَحَصَلَ لَهُمْ بَعْضُ
¥