اِنْتِبَاهٍ:
بُكَاهَا, فَقُلْتُ: اَلْفَضْلُ لِلْمُتَقَدِّمِ وَلَكِنْ بَكَتْ قَبْلِي فَهَيَّجَ لِي البُكَا
عَلَى أَنَّا نَشْكُرُ سَعْيَهُمْ وَنَعُدُّهُ فَتْحًا جَدِيدًا, فَجَاءَ أَكْثَرُهُمْ إِلَيَّ وَقَالُوا: إِنَّ أُمَرَاءَ اَلْجَزِيرَةِ قَدْ أَحْيَوا رُفَاتَ اَلْمُطَوَّلَاتِ, وَإِنَّنَا نَأْمُلُ أَنْ تَخْرُجَ اَلْمُخْتَصَرَاتِ مِنْ دَفَائِنِهَا, وَأَنْ نُظْهِرَهَا مِنْ مَكَانِهَا, وَإِنَّنَا نَرْغَبُ إِلَيْكَ أَنْ تَكُونَ اَلسَّاعِيَ بِذَلِكَ, فَقُلْتُ: لَبَّيْكَ, ثُمَّ أَخَذْتُ أُنَقِّبُ فِي خِزَانَةِ كُتُبِي, وَفِيمَا أَبْقَاهُ اَلزَّمَانُ مِنْ خِزَانَةِ كُتُبِ جَدِّي, وَالِدِ وَالِدَتِي اَلْفَقِيهِ اَلشَّيْخِ أَحْمَدَ بْنِ مُصْطَفَى بْنِ حُسَيْنٍ رَمَضَانَ اَلْمَعْرُوفِ بِالنَّعْسَانِيِّ () اَلْمُتَوَفَّي سَنَةَ 1281 فَظَفِرَتُ مِنْ بَقَايَا كُتُبِهِ بِكِتَابِ "أَخْصَرِ اَلْمُخْتَصَرَاتِ" بِخَطِّ مُؤَلِّفِهِ اَلْعَلَّامَة اَلْمُتْقِنِ اَلشَّيْخِ مُحَمَّدٍ البَلْبَانِيِّ اَلدِّمَشْقِيِّ -رَحِمَهُ اَللَّهُ تَعَالَى-, فَتَأَمَّلْتُهُ فَوَجَدْتُهُ سَهْلَ اَلْعِبَارَةِ, وَاضِحَ اَلْمَعَانِي.
وَهُوَ عَلَى صِغَرِ حَجْمِهِ, إِذَا تَأَمَّلَهُ اَلذَّكِيُّ لَا يَحْتَاجُ فِي فَهْمِهِ إِلَى مَوْقِفٍ, وَيَنْتَفِعُ بِهِ اَلصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ, وَهُوَ مِنَ اَلْمُتُونِ اَلْمُعْتَمَدَةِ فِي اَلْمَذْهَبِ, فَأَبْرَزْتُهُ لِلطَّبْعِ قَصْدَ اَلنَّفْعِ, وَبَذَلَ اَلْمُشْتَرِكُونَ اَلنَّفَقَةَ عَلَى طَبْعِهِ حَسْبَ مَا يَقْدِرُونَ, وَذَيَّلْتُهُ بِتَقْرِيرَاتٍ لَطِيفَةٍ يَحْتَاجُ اَلْمُطَالِعُ فِيهِ إِلَيْهَا, وَحَقَّقْتُ أَحْكَامَ مَسَائِلَ حَدَثَتْ فِي زَمَنِنَا هَذَا حَسْبَ اَلْإِمْكَانِ, مَقِيسَةً عَلَى اَلْأُصُولِ, وَأَبْرَزْتُهُ فِي قَالَبٍ لَطِيفٍ, رَاجِيًا مِنْهُ تَعَالَى أَنْ يُنْهِضَ هِمَّةَ اَلْقَوْمِ لِطَبْعِ غَيْرِهِ مِنْ فُرُوعِ هَذَا اَلْمَذْهَبَ وَأُصُولِهِ, وَعَقَائِدِهِ اَلسَّلَفِيَّةِ اَلْمَحْضَةِ, وَقَدَّمْتُ أَمَامَ هَذِهِ اَلْعُجَالَةِ ثَلَاثَ مُقَدِّمَاتٍ, وَاَللَّهُ -تَعَالَى- هُوَ اَلْمُعِينُ وَالْهَادِي إِلَى سَوَاءِ اَلسَّبِيلِ.
اَلْمُقَدِّمَةُ اَلْأُولَى
اَلْحُكْمُ اَلشَّرْعِيُّ: هُوَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ خِطَابُ اَلشَّرْعِ.
اَلْوَاجِبُ, لُغَةً: اَلسَّاقِطُ وَالثَّابِتُ. وَشَرْعًا: مَا ذُمَّ تَارِكُهُ شَرْعًا مُطْلَقًا.
قَالَ اِبْنُ حِمْدَانَ () وَمِنْهُ مَا لَا يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ كَنَفَقَةٍ وَاجِبَةٍ, وَرَدِّ وَدِيعَةٍ وَغَصْبٍ وَنَحْوِهِ إِذَا فَعَلَهُ مَعَ غَفْلَةٍ, وَمِنَ اَلْمُحَرَّمِ مَا لَا يُثَابُ عَلَى تَرْكِهِ كَتَرْكِهِ غَافِلًا. اِنْتَهَى.
قُلْتُ: هَذَا إِذَا لَمْ يَفْعَلِ اَلْوَاجِبَ أَوْ يَتْرُكِ اَلْمُحَرَّمَ اِمْتِثَالًا لِأَمْرِ اَللَّهِ تَعَالَى, وَأَمَّا إِذَا فَعَلَهُ مُمْتَثِلًا, فَإِنَّهُ يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ, لِحَدِيثِ: "إِنَّمَا اَلْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ".
اَلْفَرْضُ لُغَةً: اَلتَّقْدِيرُ وَالتَّأْثِيرُ وَالْإِلْزَامُ وَالْعَطِيَّةُ. وَشَرْعًا: مَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ, أَوْ يُقَالُ: مَا لَا يَسْقُطُ فِي عَمْدٍ وَلَا سَهْوٍ, وَقَالَ اَلْإِمَامُ أَحْمَدُ: هُوَ مَا لَزِمَ بِالْقُرْآنِ.
اَلْعِبَادَةُ, إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَقْتٌ مُعَيَّنٌ مِنْ جِهَةِ اَلشَّارِعِ كَصَلَاةِ اَلنَّافِلَةِ, لَا يُقَالُ لَهَا: أَدَاءٌ وَلَا قَضَاءٌ وَلَا إِعَادَةٌ, وَإِنْ جَعَلَ لَهَا اَلشَّارِعُ وَقْتًا مُعَيَّنًا كَالصَّلَوَاتِ اَلْخَمْسِ وَالْحَجِّ, فَإِنْ فُعِلَتْ فِي اَلْوَقْتِ اَلْمُقَدَّرِ لَهَا شَرْعًا سُمِّيَتْ أَدَاءً, وَإِنْ فُعِلَتْ بَعْدَ اَلْوَقْتِ سُمِّيَتْ قَضَاءً, وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ تَأْخِيرُهَا لِعُذْرٍ تَمَكَّنَ مِنْ فِعْلِهِ فِي وَقْتِهِ كَسَفَرٍ وَمَرَضٍ, أَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ لِمَانِعٍ شَرْعِيٍّ كَحَيْضٍ وَنِفَاسٍ, أَوْ عَقْلِيٍّ كَنَوْمٍ; لِأَنَّ اَلْعِبَادَةَ وَاجِبَةٌ مَعَ وُجُودِ اَلْعُذْرِ.
¥