تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كيف وقد أطاق النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما لم يُطِقْهُ كبيرُ الملائكة سيدُنا جبريلُ عليه السلام، فتوقف عن العروج في المعراج، وقال مقولته المشهورة لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أما أنتَ فلو تقدمتَ لاخترقت، وأما أنا فلو تقدمتُ لاحترقت.

فمَن فضّل النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على جميع الملائكةِ بما فيهم جبريل فلهم وجهة نظر، والمسألة – سواء أكانت صوابا أم خطأ – لا علاقة لها بالحلال والحرام، ولا بالكفر والإيمان، ولا بالبدعة والسلفية ... وهذا الرأي ذهب إليه علماء محترمون، وذاك الرأي ذهب إليه علماء محترمون، من غير أن يتهم أحدُهم المخالفَ بأنه يخالف عقيدة السلف.

ثم كيف تظن أن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمكن أن يخطئ!! ? وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ? [النجم/3 – 4]، فكل ما يقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْيٌ يُوحَى إليه، وهذا ما فهمه الإمام الشافعي، فذكر في الأم – ونقله الشيخ أحمد شاكر في هامش كتاب الرسالة للشافعي – أن أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وَحْيٌ يُوحَى إليه به مثل القرآن، أي ليس عن عقله لكي يحتمل الخطأ.

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: كُنْتُ أَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ أَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أُرِيدُ حِفْظَهُ، فَنَهَتْنِي قُرَيْشٌ فَقَالُوا: إِنَّكَ تَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ تَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشَرٌ يَتَكَلَّمُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا؟!

فَأَمْسَكْتُ عَنْ الْكِتَابِ [أي الكتابة]، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: (اكْتُبْ؛ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا خَرَجَ مِنِّي إِلَّا حَقٌّ) (1).

وهذا الحديث (نَصٌّ) على أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معصومٌ من الخطأ؛ لأن غير (الحق):

1 - أدناه أن يكون خطأ غير حرام.

2 - ثم يعلو فيكون خطأ حراما.

3 - وأعلاه أن يكون خطأ كفرا.

فهذا النص ينفي عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غيرَ الحق بدرجاته الثلاث، ويثبت العصمة (من الخطأ) للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

ومن يعتقد هذه العقيدة فهو موافق للحديث، مصدّقٌ بقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومن لا يقول بعصمة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الخطأ فهو:

1 - إما مكذّبٌ للحديث، فيكون جاهلا بالحديث، فقد صححه الألباني وغيره.

2 - وإما مكذّبٌ للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ!!

فارجع إلى رشدِكَ يا أخي، وآمِنْ بما قاله النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لا بما قاله علماء يصيبون ويخطئون، ولا تُكَذّبْهُ، فهو – بأبي وأمي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أَقسَمَ أنه لا يخرج من فمه إلا حَقٌّ، فلا تنسب له غيرَ الحق فتكون مكذّبا له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وماذا يضرُّكَ لو أخذتَ بظاهر الحديث، كما فعل الإمام الشافعي، وكما فعل الإمام ابن حزم، فجعلا كل أحاديث النبي – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وحيا، والوحي – كما تعلم - لا يتطرق إليه الخطأ بحال من الأحوال.

والحديث: كل ما يضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم (2)، [أي من قول، أو فعل، أو تقرير].

فالنبي – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – حَقٌّ كلُّه، لا مجال فيه للهوى أو للخطأ، فقولُهُ حَقٌّ، وسكوتُهُ حَقٌّ، وفعلُهُ حَقٌّ، وكَفُّهُ عن الفعلِ حَقٌّ، وكل ما يصدرُ منه – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – حقٌّ وكمالٌ.

والقاعدة التي لم تَتّبِعْها، والتي يجب أن تتّبعَها ويتّبعَها كلُّ مسلم: ?وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا?، كأنْ يقول – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا خَرَجَ مِنِّي إِلَّا حَقٌّ) ثم ترفض أنت مضمون هذا القول، وتنسب له عدم العصمة من الخطأ ... إلا إن كنت تسمي الخطأ (حقا).

ولأن تنسب الخطأ إلى العلماء الذين قالوا بعدم عصمة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الخطأ، أقوم وأفضل لك من أن تنسب الخطأ إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

فلا تقدّمْ كلامَ المشايخ على كلام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بل إذا جاءك عن المشايخ قولا يخالف ما جاء عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كعصمته من الخطأ)، فاضرب بكلام المشايخ عرض الحائط، وانسب العصمة من الخطأ إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كما نسبها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى نفسه.

هداك الله إلى اتباع القرآن والسنة بما جاءا كما جاءا، وعدم اتباع الهوى، فتأخذ منهما ما تشاء، وترد منهما ما تشاء، كعصمة النبي– صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – من الخطأ.


(1) أخرجه أحمد 11/ 57 / 6510؛ وصفحة 406/ 6802؛ وأبو داود (3648) وقال الألباني: صحيح، والحاكم: المستدرك 1/ 106 وصححه على شرط مسلم، وأقره الحافظ الذهبي.
(2) ابن حجر العسقلاني: فتح الباري 1/ 233 / 99، ك [3] العلم، ب [33] الْحِرْصِ عَلَى الْحَدِيثِ.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير