تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

1. "حبب إليه الخلاء" عبرت عائشة بالبناء للمجهول لعدم تحقق الباعث على ذلك أو لينبه أنه لم يكن من باعث البشر وقد ورد في الحديث " حتى فجئه الحق بغتة"،وفيه رد على الذين يتقولون على النبي صلى الله عليه وسلم من أنه (إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ)، فوجئ النبي بجبريل أمامه يراه بعينيه ليتبين أن ظاهرة الوحي ليست أمراً داخلياً مرده حديث النفس المجرد بل حقائق خارجية لا علاقة لها بالنفس داخل الذات، وداخله الخوف والرعب مما سمع ورأى ليتضح لكل مفكر عاقل أن ظاهرة الوحي فوجئ بها دون توقع سابق وهذا ليس شأن من يتدرج في التأمل والتفكير وإلا لاقتضى ذلك أن يعيش عامة المفكرين والمتأملين حالات من الرعب والخوف المفاجئة المتلاحقة، وأنت خبير أن الخوف والرعب ورجفان الجسم وتغير اللون من الانفعالات القسرية التي لا سبيل إلى اصطناعها والتمثيل بها، ثم إن انقطاع الوحي مدة طويلة واستبداد القلق برسول الله من أجل ذلك تجعل مجرد التفكير في كون الوحي إلهاماً نفسياً ضرباً من الجنون إذ أن صاحب الإلهامات النفسية والتأملات الفكرية لا يمر إلهامه أو تأمله بمثل هذه الأحوال، وربما عاد بعد ذلك محترفو التشكيك يسألون: فلماذا كان ينزل عليه الوحي بعد ذلك وهو بين الكثير من أصحابه فلا يرى الملك أحد منهم سواه؟ والجواب: أنه ليس من شرط وجود الموجودات أن ترى بالأبصار إذ أن وسيلة الإبصار فينا محدودة بحد معين، وإلا لاقتضى ذلك أن يصبح الشيء معدوماً إذا ابتعد عن البصر بعداً يمنع من رؤيته، على أنه من اليسير على الله وهو الخالق لهذه العيون أن يزيد في قوة ما شاء منها فيرى ما لا تراه العيون الأخرى، ثم إن استمرار الوحي بعد ذلك يحمل الدلالة نفسها على حقيقة الوحي وأنه ليس كما أراد المشككون، ونستطيع أن نجمل هذه الدلالة فيما يلي:

أ ـ التمييز الواضح بين القرآن والحديث إذ كان يأمر بتسجيل الأول فوراً على حين يكتفي بأن يستودع الثاني ذاكرة أصحابه فكان يحاذر أن يختلط كلام الله عز وجل الذي يتلقاه من جبريل بكلامه هو.

ب ـ كان النبي يسأل عن بعض الأمور فلا يجيب عليها، وربما يمر على سكوته زمن طويل حتى إذا نزلت آية من القرآن في شأن ذلك السؤال طلب السائل وتلا عليه ما نزل من القرآن في شأن سؤاله، وربما تصرف الرسول في بعض الأمور على وجه معين، فتنزل الآيات من القرآن تصرفه عن ذلك الوجه، وربما انطوت على عتب أو لوم له.

ج ـ كان النبي صلى الله عليه وسلم أمياً وليس من الممكن أن يعلم الإنسان بواسطة المكاشفة النفسية حقائق تاريخية كقصة يوسف .. وأم موسى حينما ألقت وليدها في اليم .. وقصة فرعون.

2. الخلوة شأن الصالحين وعباد الله العارفين والسر في الخلاء أن للنفس آفات لا يقطع شرتها إلا دواء العزلة عن الناس ومحاسبتها في نجوة من ضجيج الدنيا ومظاهرها، فالكبر والعجب والحسد والرياء وحب الدنيا كل ذلك آفات من شأنها أن تتحكم في النفس وتتغلغل إلى أعماق القلب وتعمل عملها التهديمي في باطن الإنسان على الرغم مما قد يتحلى به ظاهره من الأعمال الصالحة والعبادات المبرورة، ورغم ما قد ينشغل به من القيام بشؤون الدعوة والإرشاد وموعظة الناس. وقد عد النبي صلى الله عليه وسلم من " ذكر الله خالياً ففاضت عيناه" من السبع الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وكان يعتكف في رمضان يضرب له خباء يختلي بنفسه فيه، والاعتكاف سنة تخلي العبد إلى ربه فيفرغ القلب من الدنيا ويتعلق بالله تعالى ويأنس بالآخرة. إنها خلوة بل وقفة على الطريق ولفتة إلى الوراء لنراجع الرصيد ونفتش السلوك ونمحص الرأي، ونهذب القلب، وننقي الضمير، لنتابع المسير بعد ذلك على الطريق على بينة وهدى.

3. هذه الآيات الكريمات التي أنزلها الله على قلب نبيه (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَم) لتدل دلالة واضحة على عظمة دور العلم في حياة البشرية، العلم من لدن الحكيم الخبير والذي يعتمد على القراءة والكتابة بالقلم أسلوباً رئيسياً له. هذا العلم الذي قصره الكثيرين على العلم البشري القاصر بينما أوضح القرآن المقصود الأساسي منه ألا وهو الوحي (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير