تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ويقول: وإذا كانت حقيقة الغضب يستحيل اتصاف الله تعالى بها، وإسنادها إليه على الحقيقة، للأدلة القطعية الدالة على تنزيه الله تعالى عن التغيرات الذاتية والعرضية؛ فقد وجب على المؤمن صرف إسناد الغضب إلى الله عن معناه الحقيقي، وطريقة أهل العلم والنظر في هذا الصرف أن يصرف اللفظ إلى المجاز بعلاقة اللزوم أو إلى الكناية باللفظ عن لازم معناه، فالذي يكون صفة لله من معنى الغضب هو لازمه، أعني: العقاب والإهانة يوم الجزاء واللعنة أي الإبعاد عن أهل الدين والصلاح في الدنيا أو هو من قبيل التمثيلية. وكان السلف في القرن الأول ومنتصف القرن الثاني يمسكون عن تأويل هذه المتشابهات، لما رأوا في ذلك الإمساك من مصلحة الاشتغال بإقامة الأعمال التي هي مراد الشرع من الناس، فلما نشأ النظر في العلم وطلبوا معرفة حقائق الأشياء وحدث قول الناس في معاني الدين بما لا يلائم الحق، لم يجد أهل العلم بدًأ من توسيع أساليب التأويل الصحيح لإفهام المسلم وكبت الملحد، فقام الدين بصنيعهم على قواعده، وتميز المخلص له عن ماكره وجاحده، وكل فيما صنعوا على هدى. وبعد البيان لا يرجع إلى الإجمال أبدًا، () وماتأولوه إلا بما هو معروف في لسان العرب مفهوم لأهله. فغضب الله تعالى على العموم يرجع إلى معاملته الحائدين عن هديه العاصين لأوامره ويترتب عليه الانتقام وهو مراتب أقصاها عقاب المشركين والمنافقين بالخلود في الدرك الأسفل من النار ودون الغضب الكراهية. ()

وقد يستطرد أحيانا في تلك القضايا المتعلقة بالصفات ويكفي القارئ لمعرفة مدى الاستطراد الذي وقع فيه المؤلف الخارج عن نطاق التفسير أن يقرأ هذه الفقرة التي ساقها ضمن كلامه الطويل عن الحمد:

قال: …ومنه أنه يكون ثناء على الجميل الاختياري: وبهذا يندفع الإشكال عن حمدنا الله تعالى على صفاته الذاتية كالعلم والقدرة دون صفات الأفعال، وإن كان اندفاعه على اختيار الجمهور أيضًا ظاهرا؛ فإن ما ورد عليهم من أن مذهبهم يستلزم أن لا يحمد الله تعالى على صفاته لأنها ذاتية، فلا توصف بالاختيار إذ الاختيار يستلزم إمكان الاتصاف. وقد أجابوا عنه إما بأن تلك الصفات العلية نزلت منزلة الاختيارية لاستقلال موصوفها وإما بأن ترتب الآثار الاختيارية عليها يجعلها كالاختيارية، وإما بأن المراد بالاختيارية أن يكون المحمود فاعلا بالاختيار وإن لم يكن المحمود عليه اختياريًا. وعندي أن الجواب أن نقول: إن شرط الاختياري في حقيقة الحمد – عند مثبته- لإخراج الصفات غير الاختيارية، لأن غير الاختياري فينا ليس من صفات الكمال إذ لا تترتب عليها الآثار الموجبة للحمد، فكان شرط الاختيار في حمدنا زيادة في تحقق كمال المحمود، أما عدم الاختيار المختص بالصفات الذاتية الإلهية فإنه ليس عبارة عن نقص في صفاته، ولكنه كمال نشأ من وجوب الصفة للذات لقدم الصفة فعدم الاختيار في صفات الله تعالى زيادة في الكمال لأن أمثال تلك الصفات فينا لا تكون واجبة للذات ملازمة لها، فكان عدم الاختيار في صفات الله تعالى دليلا على زيادة الكمال، وفينا دليلا على النقص. وما كان نقصًا فينا باعتبار ما، قد يكون كمالا لله تعالى باعتبار آخر، مثل عدم الولد، فلا حاجة إلى الأجوبة المبنية على التنزيل إما باعتبار الصفة أو باعتبار الموصوف، على أن توجيه الثناء إلى الله تعالى بمادة (حمد) هو أقصى ما تسمى به اللغة الموضوعة لأداء المعاني المتعارفة لدى أهل تلك اللغة، فلما طرأت عليهم المدارك المتعلقة بالحقائق العالية عبر لهم عنها بأقصى ما يقربها من كلامهم. ()

ويقول في خلق الأفعال وقضية اللطف وهو كلام يشم منه رائحة الاعتزال:

? فزادهم الله مرضا? () وإنما أسندت زيادة مرض قلوبهم إلى الله تعالى مع أن زيادة هاته الأمراض القلبية من ذاتها، لأن الله تعالى لما خلق هذا التولد وأسبابه وكان أمره خفيا، نبه الناس على خطر الاسترسال في النوايا الخبيثة والأعمال المنكرة، وأنه من شأنه أن يزيد تلك النوايا تمكنا من القلب فيعسر أو يتعذر الإقلاع عنها بعد تمكنها، وأسندت تلك الزيادة إلى اسمه تعالى لأن الله غضب عليهم فأهملهم وشأنهم ولم يتداركهم بلطفه الذي يوقظهم من غفلاتهم لينبه المسلمين إلى خطر أمرها وأنها مما يعسر إقلاع أصحابها عنها ليكون حذرهم

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير