ومن العجيب ما يتعرض له المفسرون والفقهاء من البحث في حرمة خنزير الماء وهي مسألة فارغة إذ أسماء أنواع الحوت روعيت فيها المشابهة كما سموا بعض الحوت فرس البحر وبعضه حمام البحر وكلب البحر، فكيف يقول أحد بتأثير الأسماء والألقاب في الأحكام الشرعية؟ وفي المدونة توقف مالك أن يجيب في خنزير الماء وقال: أنتم تقولون خنزير. قال ابن شأش: رأى غير واحد أن توقف مالك حقيقة لعموم ?أحل لكم صيد البحر? () عموم قوله تعالى ?ولحم الخنزير? () ورأى بعضهم أنه غير متوقف فيه حقيقة، وإنما امتنع من الجواب إنكارا عليهم تسميتهم إياه خنزيرا ولذلك قال: أنتم تسمونه خنزيرا؟ يعني أن العرب لم يكونوا يسمونه خنزيرا وأنه لا ينبغي تسميته خنزيرا، ثم السؤال عن أكله حتى يقول قائلون: أكلوا لحم الخنزير، أي فيرجع كلام مالك إلى صون ألفاظ الشريعة ألا يتلاعب بها، وعن أبي حنيفة أنه منع أكل خنزير البحر غير متردد أخذا بأنه سمي خنزيرا، وهذا عجيب منه وهو المعروف بصاحب الرأي، ومن أين لنا ألا يكون لذلك الحوت اسم آخر في لغة بعض العرب فيكون أكله محرما على فريق ومباحا لفريق؟ () ()
موقفه من النسخ:
وهو يقول بالنسخ وله في تفاصيله تفردات ومن ذلك قوله معللا بقاء تلاوة المنسوخ حكما:
وقد بدا لي دليل قوي على هذا وهو بقاء الآيات التي نسخ حكمها وبقيت متلوة من القرآن ومكتوبة في المصاحف فإنها لما نسخ حكمها لم يبق وجه لبقاء تلاوتها وكتبها في المصاحف إلا ما في مقدار مجموعها من البلاغة بحيث يلتئم منها مقدار ثلاث آيات متحدى بالإتيان بمثلها مثال ذلك آية الوصية في سورة العقود. ()
ومن كلامه في النسخ قوله:
وقد اتفق علماء الإسلام على أن الوصية لا تكون لوارث لما رواه أصحاب السنن عن عمرو بن خارجة وما رواه أبو داود والترمذي عن أبي أمامه كلاهما يقول سمعت النبيء قال: “إن الله أعطى كل ذى حق حقه، ألا لا وصية لوارث” (). وذلك في حجة الوداع، فخص بذلك عموم الوالدين وهذا التخصيص نسخ، لأنه وقع بعد العمل بالعام وهو وإن كان خبر آحاد فقد اعتبر من قبيل المتواتر، لأنه سمعه الكافة وتلقاه علماء الأمة بالقبول. ()
وفي معرض استبعاده لتشريع كيفية الصيام السابقة لصيام رمضان الثابتة في الأحاديث الصحيحة قال:
فأما أن يكون ذلك قد شرع ثم نسخ فلا أحسبه، إذ ليس من شأن الدين الذي شرع الصوم أول مرة يوما في السنة ثم درجه فشرع الصوم شهرًا على التخيير بينه وبين الطعام تخفيفًا على المسلمين؛ أن يفرضه بعد ذلك ليلاً ونهارًا فلا يبيح الفطر إلا ساعات قليلة من الليل. ()
والرد عليه في هذا الكلام يطول ويكفي في ذلك ثبوت الرواية ولم ينتبه لمدلول كلمة? تختانون? () وكلمة ?فتاب عليكم? () وكلمة ?وعفا عنكم? () حيث أضرب عن تفسيرها تمامًا، كما حاول تأويل كلمة ?فالآن? () لأنها ليست متوافقة مع ماذهب إليه.
ومن مواضع تعرضه للأصول قوله:
? وكذلك جعلناكم أمة وسطا? () وأما كون الآية دليلاً على حجية إجماع المجتهدين عن نظر واجتهاد فلا يؤخذ من الآية إلا بأن يقال: إن الآية يستأنس بها لذلك فإنها لما أخبرت أن الله تعالى جعل هذه الأمة وسطًا وعلمنا أن الوسط هو الخيار العدل الخارج من بين طرفيه إفراط وتفريط علمنا أن الله تعالى أكمل عقول هذه الأمة بما تنشأ عليه العقول من الاعتقاد بالعقائد الصحيحة ومجانبة الأوهام السخيفة التي ساخت فيها عقول الأمة. ()
ويقول أيضا:
وعلى هذا التفسير يجىء قول الفقهاء إن شهادة أهل المعرفة بإثبات العيوب أو بالسلامة لا تشترط فيها العدالة، وكنت أعلل ذلك في دروس الفقه بأن المقصود من العدالة تحقق الوازع عن شهادة الزور، وقد قام الوازع العلمي في شهادة أهل المعرفة مقام الوازع الديني لأن العارف حريص ما استطاع أن يؤثر عنه الغلط والخطأ وكفى بذلك وازعا عن تعمده وكفى بعلمه مظنة لإصابة الصواب فحصل المقصود من الشهادة. ()
ود أطال في حديثه عن بعض القضايا العقلية الأصولية وهي قضية التكليف بالمحال عند قوله تعالى ? سواء عليهم ءأنذرتهم ? ()
وهو يتذرع كثيرا بالمجاز ومن ذلك ماذكره تحت قوله تعالى ? ختم الله على قلوبهم? ()
عاشرا: موقفه من العلوم الحديثة والرياضة والفلسفة والمعجزات الكونية:
¥