فيقول المؤمن: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد. وأما الكافر والمنافق فيقول: لا أدري سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته.
ونؤمن بنعيم القبر للمؤمنين] الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون [(2).
ونؤمن بعذاب القبر للظالمين الكافرين] ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون [(3).
والأحاديث في هذا كثيرة معلومة، فعلى المؤمن أن يؤمن بكل ما جاء به الكتاب والسنة من هذه الأمور الغيبية، وأن لا يعارضها بما يشاهد في الدنيا، فإن أمور الآخرة لا تقاس بأمور الدنيا لظهور الفرق الكبير بينهما. والله المستعان.
فصل
ونؤمن بالقدر: خيره وشره، وهو تقدير الله تعالى للكائنات حسبما سبق به علمه، واقتضته حكمته.
وللقدر أربع مراتب:
المرتبة الأولى: العلم، فنؤمن بأن الله تعالى بكل شيء عليم، علم ما كان، وما يكون، وكيف يكون بعلمه الأزلي الأبدي، فلا يتجدد له علم بعد جهل، ولا يلحقه نسيان بعد علم.
المرتبة الثانية: الكتابة، فنؤمن بأن الله تعالى كتب في اللوح المحفوظ، ما هو كائن إلى يوم القيامة:] ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير [(1).
المرتبة الثالثة: المشيئة، فنؤمن بأن الله تعالى قد شاء كل ما في السماوات والأرض، لا يكون شيء إلا بمشيئته. ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.
المرتبة الرابعة: الخلق، فنؤمن بأن الله تعالى] خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل. له مقاليد السموات والأرض [(2).
وهذه المراتب الأربع شاملة لما يكون من الله تعالى نفسه، ولما يكون من العباد، فكل ما يقوم به العباد من أقوال، أو أفعال أو تروك فهي معلومة لله تعالى، مكتوبة عنده، والله تعالى قد شاءها وخلقها] لمن شاء منكم أن يستقيم. وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين [(3).] ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد [(4).] ولو شاء الله ما فعلوه فذرهم وما يفترون [(5).] والله خلقكم وما تعملون [(6).
ولكننا مع ذلك نؤمن بأن الله تعالى جعل للعبد اختياراً وقدرة بهما يكون الفعل.
والدليل على أن فعل العبد باختياره وقدرته أمور:
الأول: قوله تعالى:] فأتوا حرثكم أنى شئتم [(7). وقوله:] ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة [(8). فأثبت للعبد إتياناً بمشيئته، وإعداداً بإرادته.
الثاني:توجيه الأمر والنهي إلى العبد، ولو لم يكن له إختيار وقدرة؛ لكان توجيه ذلك إليه من التكليف بما لا يطاق، وهو أمر تاباه حكمة الله تعالى ورحمته وخبره الصادق في قوله:] لا يكلف الله نفساً إلا وسعها [(1).
الثالث: مدح المحسن على إحسانه، وذم المسئ على إساءته وإثابة كل منهما بما يستحق.
ولولا أن فعل العبد يقع بإرادته واختياره، لكان مدح المحسن عبثاً وعقوبة المسئ ظلماً، والله تعالى منزه عن العبث والظلم.
والرابع: أن الله تعالى أرسل الرسل] رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل [(2).
ولولا أن فعل العبد يقع بإرادته واختياره، ما بطلت حجته بإرسال الرسل.
الخامس: أن كل فاعل يحس أنه يفعل الشيء، أو يتركه بدون أي شعور بإكراه، فهو يقوم، ويقعد، ويدخل، ويخرج، ويسافر، ويقيم بمحض إرادته، ولا يشعر بأن أحداً يكرهه على ذلك، بل يفرق تفريقاً واقعياً بين أن يفعل الشيء باختياره وبين أن يكرهه عليه مكره. وكذلك فرق الشرع بينهما تفريقاً حكمياً، فلم يؤاخذ الفاعل بما فعله مكرهاً عليه، فيما يتعلق بحق الله تعالى.
ونرى أنه لا حجة للعاصي على معصيته بقدر الله تعالى، لأن العاصي يقدم على المعصية باختياره، من غير أن يعلم أن الله تعالى قدرها عليه، إذ لا يعلم أحد قدر الله تعالى إلا بعد وقوع مقدوره] وما تدري نفس ماذا تكسب غداً [(3) فكيف يصح الاحتجاج بحجة لا يعلمها المحتج بها، حين إقدامه على ما اعتذر بها عنه. وقد أبطل الله تعالى هذه الحجة بقوله:] سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون [(4).
¥