قال الحافظ 13/ 422: "وقال القرطبي في المفهم: الرداء استعارة كنى بها عن العظمة، كما في الحديث الآخر "الكبرياء ردائي والعظمة إزاري". وليس المراد الثياب المحسوسة، لكن المناسبة أن الرداء والإزار لما كانا متلازمين للمخاطب من العرب عبّر عن العظمة والكبرياء بهما. . .
قوله: (في جنة عدن) قال ابن بطال: لا تعلق للمجسمة في إثبات المكان، لما ثبت من استحالة أن يكون سبحانه جسماً أو حالاً في مكان، فيكون تأويل الرداء: الآفة الموجودة لأبصارهم المانعة لهم من رؤيته، وإزالتها فعل من أفعال يفعله في محل رؤيتهم، فلا يرونه مادام ذلك المانع موجوداً"اهـ.
ت: ادعاء القرطبي أن الرداء استعارة باطل، وكذا تأويل ابن بطال للرداء، فيه نفي لألفاظ لم يرد النص الشريف بنفيها عن الله كالجسم والمكان. وهذه الألفاظ مجملة تحوي حقاً وباطلاً، ولا يصح نفي المجمل حتى يُستفصل عن المراد بها ليتبين الحق من الباطل، ومضى للاستفصال فيها وفي أمثالها مواضع سابقة عديدة.
والواجب إثبات رداء الكبرياء وإزار العظمة على حقيقته اللائقة بالله عظمة وجلالاً وتنزيهاً من غير تعطيل ولا تحريف ولا تمثيل ولا تكييف، وهذه قاعدة مسددة ومطردة في باب الأسماء والصفات، من التزمها وفق لحقيقة الإيمان بهذا التوحيد، والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 13/ 444: "قوله: (باب ما جاء في قول الله تعالى: {إِنَّ رَحْمةََ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ}. قال ابن بطال: الرحمة تنقسم إلى صفة ذات وإلى صفة فعل، وهنا يحتمل أن تكون صفة ذات، فيكون معناها إرادة إثابة الطائعين، ويحتمل أن تكون صفة فعل فيكون معناها أن فضل الله بسوق السحاب وإنزال المطر قريب من المحسنين، فكان ذلك رحمة لهم لكونه بقدرته وإرادته. . . " اهـ.
ت: الواجب إثبات رحمة الله على الحقيقة اللائقة بذات الله عز وجل كمالاً وجلالاً، وعدم الخوض فيها بأنواع التأويل الذي هو في الواقع تعطيل. فلله عز وجل رحمة تليق به كما له إرادة تليق به، وهذا مطرد في جميع الأسماء الحسنى والصفات العلى، والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 13/ 445: " قال ابن بطال عن المهلب: يجوز أن يكون هذا الخصام حقيقة بأن يخلق الله فيهما حياة وفهماً وكلاماً والله قادر على كل شيء، ويجوز أن يكون هذا مجازاً كقولهم: "املأ الحوض وقال قطنى"والحوض لا يتكلم وإنما ذلك عبارة عن امتلائه وأنه لو كان ممن ينطق لقال ذلك، وكذا في النار: {هَلْ مِن مَّزِيدٍ}. . . " اهـ.
ت: الاختصام وكلام الجنة والنار وقع حقيقة، وهو المتعين، لكن على كيفية الله أعلم بها فلا داعي للتأويل أو اعتبار ذلك مجازاً، لا سيما وقد وردت رواية في كتاب التفسير من هذا الصحيح بلفظ "تحاجت"، وفي مسلم بلفظ "احتجت" كما أشار الحافظ، وكلها من أفعال الاشتراك، فالواجب الإيمان بما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم من اختصامهما حقيقة. وكذا يُقال أيضاً في قول النار: {هَلْ مِن مَّزِيدٍ} والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 13/ 449: "وتصرف البخاري في هذا الموضع يقتضي موافقة القول الأول، والصائر إليه يسلم من الوقوع في مسألة حوادث لا أول لها، وبالله التوفيق"اهـ.
ت: ليس هذا مؤدَّى كلام البخاري، وإنما هو قول المتكلمين، والصواب أن أفعال الله تعالى قديمة النوع متجددة الآحاد حسب ما تقتضيه مشيئته سبحانه. فقد كان الله بذاته وصفاته وأفعاله ولم يكن قبله شيء كما صح في حديث عمران بن الحصين رضي الله عنه.
أما مراد البخاري رحمه الله فهو التفريق بين الفعل والمفعول، والرد على من لم يفرق بينهما، كما هو بين من ترجمته، لا ما أشار إليه ابن بطال.
وانظر التعليق على حديث عمران (7418) في باب (22) من كتاب التوحيد.
* * *
قال الحافظ 13/ 450: "وأشار به إلى ترجيح القول بأن الرحمة من صفات الذات. . . من قال: المراد بالرحمة إرادة إيصال الثواب، وبالغضب إرادة إيصال العقوبة. . . " اهـ.
¥