إذًا النتيجة ماذا؟ تصبح العنقاء أقرب منه وجودا – المستحيلة – تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا -، وأصبح قولهم قريبا من قول فرعون مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} القصص: 38 {.
فإذًا القضية خطيرة جدا، هم لا يدركون هذه الحقيقة؛ ولذلك لو سألتهم من الذي عبر عن القرآن: جبريل، أم محمد؟
سيسكتون، لا يجيبون.
إذًا قولكم، واستدلالكم ببيت الأخطل = استدلال فاسدٌ، باطلٌ.
ما هو بيتُ الأخطلِ؟
قال:
إن الكلام لفي الفؤاد /// وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلا
أولا: هذا البيت لا يثبت في ديوان الأخطل المعروف، نعم، الأخطل يقال: إنه من آخر من يحتج بشعرهم في باب اللغة، والنحو، لا في باب العلم الشرعي، يعني في باب اللغة العربية، ومع هذا فإن هذا البيت لا يوجد في دواوينه.
ثانيا: الأخطل رجل نصراني يعتقد اتحاد اللاهوت بالناسوت، ومعنى ذلك أن الإله اتحد مع الناس؛ فلا فرق – حينئذ – بين الإنسان والله – تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا -، وهذه ما سرت إلى عقيدة بعض المتصوفة أتباع ابن عربي القائلين بأن:
العبد رب والرب عبد /// فليت شعري من المكلف
إذًا عقيدة نصرانية، وهو لا يفرق بين الصفة والموصوف، ولا بين الخالق والمخلوق – حينئذ -؛ فهل يعتد، أو يحتج بشعر من كان هذا معتقده؟!
ثالثا: أن الذي يروى في المشهور:
إن البيان، وليس: إن الكلام ...
إن البيان لفي الفؤاد وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلا
يعني يبدأ بفكرة في الفؤاد، ثم توضح بالكلام؛ فأصبح - بهذه الرواية – لا حجة فيه لهم.
رابعا: من المعلوم أن الكلام في الصلاة محرم أليس كذلك؟
ومن تكلم في الصلاة متعمدا = بطلت صلاته، طيب! من وسوس، أو حدثته نفسه، تبطل صلاته، أو لا تبطل؟
لا تبطل، ومعنى كلامهم – أننا لو قلنا بهذا - الكلام في الفؤاد؛ لقلنا: كل من حدثته نفسه بشيء بطلت صلاته؛ لأنه يعتبر متكلما، يعتبر متكلما بهذا المعنى الفاسد، وقد أجمع أهل السنة على أن الذي تحدثه نفسُه، أو تهجم عليه بعض الوسوسة في صلاته؛ فإن صلاته صحيحة؛ لأنه لم يتلكم، لقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: (إن هذه الصلاة لا يصح فيها شيء من كلام الناس).
فلذلك بطل استدلالهم ببيت الأخطل. فيقرر شيخ الإسلام: إنني أعتقد ما جاء في القرآن من أن الله يتكلم متى شاء، إذا شاء، كيف شاء، وأن القرآن كلام الله الذي تكلم حقيقة: لفظه، ومعناه - المكتوب في المصاحف، والمحفوظ في الصدور، والمتلوُّ بالألسن = كلُّه كلام الله غير مخلوق، ولا أقرر ما يقرره الأخطل النصراني، كما يستدل على ذلك بعض المبتدعة.
((المتن))
والمؤمنون يَرَوْنَ حقاً ربَّهُمْ /// وإلى السَّماءِ بِغَيْرِ كَيْفٍ يَنْزِلُ
((الشرح))
قرر في هذا البيت – رحمه الله – مسألتين:
المسألة الأولى: مسألة رؤية الباري – سبحانه وتعالى -؛ فهو يعتقد – كما يعتقد سائر أهل السنة – أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة كما يرون القمر ليلة البدر، أو كما يرون الشمس ليس دونها سحاب، وهذا هو معتقد أهل السنة قاطبة، وخالف في هذا المعتقد أربع طوائف، وبعض الطوائف توافقهم – أحيانا -، وتخالفهم - أحيانا أخرى -.
الطوائف التي أنكرت الرؤية هم: الجهمية، والمعتزلة، والرافضة، والخوارج، وحري بمن أنكر رؤية الباري – سبحانه وتعالى – يوم القيامة في الجنة أن يحرم منها. يقول الإمام الشافعي – رحمه الله – في معنى قول الله – سبحانه وتعالى – كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} المطفيفين: 15 {؛ بما أن هؤلاء قد حجبوا عن الله – تعالى - حال السخط؛ فإن المؤمنين يرونه حال الرضا، أو كما قال – رحمه الله تعالى -.
فهذه عقيدة أهل السنة والجماعة: أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة رؤية حقيقة، وقد دلت عليها النصوص من الكتاب، والسنة، وإجماع الأمة: أعني إجماع أهل السنة؛ لأن تلك الفرق لا يعتد برأيها، ولا بآرائها، ولا بأقوالها، ومن شذ شذ في النار.
إذًا أجمع أهل السنة على أن المؤمنين يرون ربهم، وسنذكر دليلا واحدا من الكتاب، ومن السنة، وبيان إجماع الأمة ونمضي.
¥