وَهَذَا حَصْرٌ لِخَشْيَتِهِ في أُولِي الْعِلْمِ. وقَالَ تعالى: ? جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ? وَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّ أَهْل خَشْيَتِهِ هُمْ الْعُلَمَاءِ. فَدَلّ عَلَى أَنْ هَذَا الْجَزَاءِ الْمَذْكُورَ لِلعلماءِ بمجموعِ النَّصَّيْنِ. وقَالَ ابنُ مَسْعِودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: كَفَى بَخشيةِ اللهِ عِلْمًا، وَكَفَى بَالاغْتِرَارِ بَاللهِ جَهْلاً.
الوجهُ الثانِي والعشرون: أنَّهُ سُبْحَانَهُ أَخْبَرَ عَنْ أَمْثَالِهِ التِي يَضْرُبها لِعبادِهِ يَدُلُّهم على صِحَّةِ مَا أَخْبَرَ بِهِ أَنَّ أَهْلَ العلمِ هُمْ الْمُنْتَفِعُونَ بِهَا الْمُخْتَصُّونَ بعِلْمِهَا فقَالَ تعالى: ? وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ? وفي القرآنِ بِضْعةٌ وَأَرْبَعونَ مَثَلاً وكان بعضُ السَّلَفِ إِذَا مَرَّ بِمَثَلٍ لا يفهَمُهُ يَبْكِي وَيَقَولُ: لَسْتَ مِنْ الْعَالِمِين.
الوجهُ الثالثُ والعشرون: أنَّهُ سُبْحَانَهُ ذَكَرَ مُنَاظَرَةَ إِبْرَاهِيمَ لأبيهِ وَقَوْمِهِ وَغَلَبتِهِ لَهُمْ بَالْحُجةِ وَأَخْبَر عَنْ تَفْضِيلِهِ بذلكَ وَرْفعِهِ دَرجَتَهُ بعلمِ الْحُجَّةِ فقَالَ تَعَالَى عُقَيْبَ مُنَاظَرَتِهِ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ فِي سُورةِ الأنْعَامِ: ? وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ? قَالَ زَيْدُ بنُ أَسْلَمَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: نَرْفَعُ درجاتٍ مَنْ نَشاءُ بِعلمِ الْحُجَّةِ.
الوجهُ الرابعُ والعشرون: أنَّهُ سُبْحَانَهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ خَلَقَ الْخَلْقَ ووضَعَ بَيْتَهُ الْحَرامَ والشهرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائدَ لِيُعْلِمَ عِبَادَهُ أَنَّهُ بُكلِ شَيءٍ عَلِيمٌ وَعَلى كُلِ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فقَالَ تعالى: ? اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ? فَدَلَّ عَلى أَنْ عِلمَ الْعِبَادِ بربِّهِمْ وَصِفَاتِهِ وَعبادَتِهِ وَحْدَهُ هُو الْغَايةُ الْمَطْلُوبَةُ مِنْ الْخَلْق وَالأَمْرِ.
شعرًا:
الْعِلُم يَغْرِسُ كَلَّ فَضْلٍ فَاجْتَهِدْ
(أَنْ لا يفوتَكَ فَضلُ ذَاكَ المَغْرسُ
(وَاعْلَمْ بَأنَّ الْعِلْمَ لَيْسَ يَنَالُهُ
(
(مَنْ هَمُّهُ فِي مَطْعَمٍ أَوْ مَلْبَسِ
(إِلا أَخُو الْعِلْمَ الذي يَزْهُو بِهِ
(فِي حَالَتَيْهِ عَارِيًا أَوْ مُكْتَسِي
(فَاجْعَلْ لِنَفْسِكَ مِنْهُ حَظًّا وَافِرًا
(وَاهْجُرْ لَهُ طِيبَ الرُّقادِ وَعَبِّسِ
(فَلَعلَّ يَوْمًا إِنْ حَضَرْتَ بِمَجْلِسٍ
(
(كُنْتَ الَّرئِيسَ وَفَخْرَ ذَاكَ الْمَجْلِسِ
(آخر:
شُغِلنا بِكَسبِ العِلمِ عَن مَكسَبِ الغِنى
(كَشُغلِهِمُ عَن مَكسَبِ العِلمِ بِالوَفرِ
(فَصارَ لَهُم حَظٌّ مِنَ الجَهلِ وَالغِنى
(وَصارَ لَنا حَظٌّ مِنَ العِلمِ وَالفَقرِ
(
آخر: إِذَا مَا اعْتزَ ذُو عِلْمٍ بعِلمٍ
(فَعِلْمُ الْفِقْهِ أَوْلَى باعْتِزَازِ
(فكَمْ طِيبِ يَفُوحُ ولا كَمِسْكٍ
(وَكَمْ طَيْرٍ يَطِيرُ ولا كَبَازِي
(آخر:
لَيْسَ الْحَياةَ بَأنْفَاسٍ تُرددهَا
(إِنْ الْحَياةَ حَيَاةُ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ
(
آخر:
يَا طَالبَ الْعِلْمِ لا تَرْكَنْ إلى الْكَسَلِ
(واعْجَلْ فَقَدْ خُلِقَ الإِنْسَانُ مِنْ عَجَلِ
(وَاسْتَعْمِلْ الصَّبْرَ فِي كَسْبِ الْعُلْومِ وَقُلْ
(أَعُوذُ بالله مِنْ عَلْمٍ بِلا عَمَلِ
(
آخر: الْفِقْهُ أَنْفَسُ شَيْءٍ أَنْتَ ذَاخِرُهُ
(مَنْ يَدْرُسِ الْعِلْمِ لَمْ تَدْرُسْ مَفَاخِرُهُ
(فَاكْسَبْ لِنَفْسِكَ مَا أَصْبَحْتَ تَجْهَلُهُ
(فَأوَّلُ الْعِلْمِ إِقْبَالٌ وَآخرُهُ
(آخر:
وَمَنْ بَغَى نيل فِقْهٍ وَهُوَ فِي دَعَةٍ
(كَمَنْ بَغَى مِنْ صَفَاةٍ دَرَّ حَلابِ
(آخر:
الْعِلْمُ يَمْنَعُ أَهْلَهُ أَنْ يُمْنَعَا
(فاسْمَحْ بِهِ تَنَلْ الْمَحَلَ الأَرْفَعَا
¥