أقول القول بالوجوب هو الحق لأن الله سبحانه قد أمر في كتابه العزيز بغسل الوجه ومحل المضمضة والاستنشاق من جملة الوجه
وقد ثبت مداومة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك في كل وضوء ورواه جميع من روى وضوءه صلى الله عليه وسلم وبين صفته فأفاد ذلك أن غسل الوجه المأمور به في القرآن هو مع المضمضة والاستنشاق
ص82
وأيضا قد ورد الأمر بالاستنشاق والاستنثار في أحاديث صحيحة وأخرج أبو داود والترمذي من حديث لقيط بن صبرة بلفظ إذا توضأت فمضمض وإسناده صحيح وقد صححه الترمذي والنووي وغيرهما ولم يأت من أعله بما يقدح فيه
قوله مع تخليل أصول الشعر
أقول الأحاديث في تخليل اللحية وقد وردت من طرق كثيرة عن جماعة من الصحابة وفيها الصحيح والحسن والضعيف وقد صحح بعضها الترمذي في جامعه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما والدارقطني والحاكم وابن دقيق العبد وابن الصلاح وحسن بعضها البخاري وما دون ذلك ينتهض للاحتجاج به وفي بعضها الحكاية لفعل النبي صلى الله عليه وسلم مع زيادة وهي قوله بهذا أمرني ربي ومجرد الفعل المستمر يدل على أنه بيان لما في القرآن من قوله فاغسلوا وجوهكم الآية لأن اللحية والحاجبين والشارب كلها نابتة في الوجه ولم يأت من ضعف أحاديث تخليل اللحية بما يقدح في الاحتجاج وليس ذلك إلا باعتبار بعض الطرق وأما باعتبار الكل فلا وقد قامت الحجة بتصحيح من صححها وتحسين من حسنها كما ذكرنا ومن علم حجة على من لا يعلم وبهذا تعرف أن ما روي عن أحمد بن حنبل من أنه لم يثبت في تخليل اللحية حديث صحيح وأن أحسن
ص83
شيء فيه حديث شقيق عن عثمان وروي مثله عن ابن أبي حاتم عن أبيه لا يعارض ما ذكرنا عن أولئك الأئمة
قوله ثم غسل اليدين مع المرفقين
أقول كلام أهل اللغة والنحو في كون إلى للغاية أو بمعنى مع معروف وقد ذهب إلى كل قول طائفة وذهب قوم إلى التفصيل فقالوا إن كان ما بعدها من جنس ما قبلها كما في هذه المسألة كانت بمعنى مع وإن لم يكن من جنسه كما في قوله تعالى ثم أتموا الصيام إلى الليل كانت للغاية فلا يدخل ما بعدها فيما هو قبلها
والحق احتمالها للأمرين فإذا ورد ما يدل على أحدهما تعين وإن لم يرد ما يدل على أحدهما كان الكلام في ذلك كالكلام في اللفظ المشترك بين معنيين وقد ورد ها هنا ما يدل على أحد المعنيين وهو أنها بمعنى مع
ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أنه توضأ حتى أشرع في العضد وقال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرج الدارقطني والبيهقي من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أدار الماء على مرفقيه ثم قال هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به
وفي إسناده القاسم بن محمد بن عبد الله بن عقيل وفيه كلام معروف
وفي رواية للدارقطني من حديث عثمان أنه غسل وجهه ويديه حتى مس أطراف
ص84
العضوين وأخرج البزار من حديث وائل بن حجر قال شهدت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فغسل وجهه ثم يديه فغسل حتى جاوز المرفق
قوله وما حاذاهما من يد زائدة
أقول لا وجه لاعتبار المحاذاة وليس مجرد المحاذاة للمرفقين مما يوجب أن يكون للمحاذاة من ذلك العضو الزائد حكم الأصل ولا يجب غير غسل اليد الأصلية إلا إذا كان العضو الزائد نابتا في المحل الذي يجب غسله فإنه داخل في مسمى اليد وأما النابت في غير ذلك المحل فليس بداخل في مسمى اليد التي ورد الشرع بغسلها
وأما ما ذكره من وجوب غسل ما بقي من العضو الذي يجب غسله بعد قطع بعضه فلا شك في ذلك لأن الوجوب الذي كان قبل القطع لا يرتفع بالقطع وإن كان الباقي يسيرا مهما كان مما يجب غسله
قوله ثم مسح كل الرأس
أقول وجه إيجاب مسح الكل أن مسمى الرأس حقيقة هو جميعه ولكن محل الحجة ها هنا هو ما يفيده إيقاع المسح على الرأس وهو يوجب المعنى الحقيقي جزءا من أجزائه كما تقول ضربت رأسه وضربت برأسه فإنه يوجد المعنى بهذا التركيب بلإيقاع الضرب على جزء من أجزاء الرأس
¥