اللَّهُمَّ أحْي قُلُوبًا أَمَاتَهَا البُعْدُ عَنْ بَابِكَ، وَلا تُعَذّبْنَا بَأليمِ عِقَابِكَ يَا أَكْرَمَ مَنْ سَمَحَ بالنَّوَالِ وَجَادَ بَالإِفْضَالِ، اللَّهُمَّ أَيْقَضْنَا مِنْ غَفْلَتِنَا بُلطْفِكَ وَإِحْسَانِكَ،
وَتَجَاوَزْ عَنْ جَرَائِمِنَا بَعَفْوِكَ وَغُفْرَانِكَ، وَاغْفِرَ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ والْمَيِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
(14) موعظة
إخْوَانِي إِنَّ الغَفْلَةَ عَنْ اللهِ مُصِيبَةٌ عَظِيمَةٌ قَالَ تَعَالى: ? وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ ? فَمَنْ غَفَلَ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَأَلْهَتْهُ الدُّنْيَا عَنْ العَمَلِ لِلدَّارِ الآخِرَةِ أنْسَاهُ العَمَلَ لِمَصَالِحَ نَفْسِهِ فَلا يَسْعَى لَهَا بِمَا فِيهِ نَفْعُهَا وَلا يَأْخُذُ فِي أَسْبَابِ سَعَادَتِهَا وَإِصْلاحِهَا وَمَا يُكَمِّلُهَا وَيَنْسَى كَذَلِكَ أَمْرَاضَ نَفْسِهِ وَقَلْبِهِ وَآلامَهُ فَلا يَخْطُرْ بِبَالِهِ مُعَالَجَتُهَا وَلا السَّعْي في إِزَالَةِ عِلَلِهَا وَأَمْرَاضِهَا التي تَؤُلُ إِلى الْهَلاكِ وَالدَّمَارِ وَهَذَا مِنْ أَعْظَمُ العُقُوبَاتِ فَأَيُّ عُقُوبَةٍ أَعْظَمُ مِنْ عُقُوبَةِ مِنْ أَهْمَلَ نَفْسَهُ وَضَيَّعَهَا وَنَسِيَ مَصَالِحَهَا وَدَاءَهَا وَدَوَاءَهَا وَأَسْبَابَ سَعَادَتِهَا وَفَلاحِهَا وَحَيَاتِهَا الأَبَدِيَّةِ فِي النَّعِيمِ الْمُقِيمِ وَمَنْ تَأَمَّلَ هَذَا الْمَوْضِعَ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الخَلْقِ قَدْ نَسُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَيَّعُوهَا وَأَضَاعُوا حَظَّهَا وَبَاعُوهَا بِثَمَنٍ بَخْسٍ بَيْعَ الْمَغْبُونِ وَيَظْهَرُ ذَلِكَ عِنْدَ الْمَوْتِ وَيَتَجَلَّى ذَلِكَ كُلَّهُ يَوْمَ التَّغَابُنِ ? يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ? الآيةُ.
? يَوْمَ لَا يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً ? إنَّهَا لَحَسْرَةٌ عَلَى كُلِّ ذِي غَفْلَةٍ دُونَهَا كُلُّ حَسْرَةٍ، هَؤُلاءِ هُمْ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ. نَسْأَلُ اللهَ العَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ.
شِعْرًا:
القَلْبُ أَعْلَمُ يَا عَذُولُ بِدَائِهِ
(مَا غَيَرُ دَاءِ الذَّنْبِ مِنْ أَدْوَائِهِ
(وَالذَّنْبُ أَوْلَى مَا بَكَاهُ أَخُو التُّقَى
(وَأَحَقُّ مِنْكَ بِجَفْنِهِ وَبِمَائِهِ
(فَوَمَنْ أُحِبُّ لأَعْصِيَنَّ عَواذِلي
(قَسَمًا بِهِ فِي أَرْضِهِ وَسَمَائِهِ
(
مَنْ ذَا يَلُومُ أَخَا الذُّنُوبِ إِذَا بَكَى
(إِنَّ الْملامةَ فِيهِ مِنْ أَعْدَائِهِ
(فَوَحَقِّ مَنْ خَافَ الفُؤادُ وَعِيدَهُ
(وَرَجَا مَثُوبَتَهُ وَحُسْنَ جَزَائِهِ
(مَا كُنْتُ مِمَّنْ يَرْتَضِي حُسْنَ الثَّنَا
(ببَدِيعٍ نَظْمِي فِي مَدِيحٍ سِوَائِهِ
(مَنْ ذَا الذِي بَسَطَ البَسِيطَةَ لِلْوَرَى
(فُرُشًا وَتَوْجِيهًَا بِسَقْفِ سَمِائِهِ
(مَنْ ذَا الذِي جَعَلَ النُّجُومَ ثَواقِباً
(يَهْدِي بِهَا السَّارِينَ في ظَلْمَائِهِ
(مَنْ ذَا أَتَى بَالشَّمْسِ فِي أُفُقِ السَّمَا
(تَجْرِي بِتَقْدِيرٍ عَلَى أَرْجَائِهِ
(أَسِوَاهُ سَوَّاهَا ضِيَاءً نَافِعًا
(لا وَالذِي رَفَعَ السَّمَا بِبِنَائِهِ
(مَنْ أَطْلعَ القَمَرَ الْمُنِيرِ إِذَا دَجَى
(لَيْلٌ فَشَابَهَ صُبْحَِهُ بِضَيَائِهِ
(مَنْ طَوِّلَ الأَيَّامَ عِندَ مَصْيفها
(وَأَتَتْ قِصَارًا عِنْدَ فَصْلِ شَتَائِهِ
(مِنْ ذَا الذِي خَلَقَ الخَلائِقَ كُلَّهَا
(وَكَفَى الجَمِيعَ بِبِرِّهِ وَعَطَائِهِ
(وَأَدَرَّ لِلطِّفْلِ الرَّضِيعِ مَعَاشَهُ
(مَنْ أُمِّهِ يَمْتَصُّ طِيبَ غَذَائِهِ
(يَا وَيْحَ مَنْ يَعْصِي الإِلهَ وَقَدْ رَأَى
(إِحْسَانَهُ بِنَوَالِهِ وَنَدائِهِ
(وَرَأَى مَسَاكِنَ مَنْ عَصَى مِمَّنْ خَلا
(خِلْواً تَصِيحُ البُومُ في أَرْجَائِهِ
(وَدَع الجَبَابَرةَ الأَكَاسِرَةَ الأُلَى
(وَانْظَرْ لِمَنْ شَاهَدْتَ فِي عَلْوَائِهِ
¥